الثلاثاء، 23 يونيو 2015

(حواري بوخارست) :الثورة المضادة في مصر ورومانيا


بقلم- هشام لاشين
-------------------------------------------
تكمن الأهمية الحقيقية لمسلسل حواري بوخارست في أنه يقدم تحليلا دراميا مثيرا للأوضاع الاجتماعية التى يعيشها المصريون بعد سرقة ثورة 25 يناير من الثورة المضادة حيث الفوضي وإنتشار المخدرات والفقر واستفحال العنف داخل العشوائيات والشوارع والحواري وكأنه أستنساخ للفوضي والعنف التي سادت في رومانيا التي تتشابه ظروفها مع مصر خلال الفترة الأخيرة بعد إجهاض ثورتها وعودة الفلول من الحزب الشيوعي القديم بعد ثورة شعبية أسقطت "شاوشيسكو" وزوجته "إيلينا" اللذين أفسدا وتجبرا فى الفترة من 1965 حتى 1989،وهو العام الذى شهد ثورة الشباب التى أطاحت به، بعد سقوط أكثر من عشرة آلاف من المدنيين، فى حرب شوارع مع قواته الأمنية البوليسية التى دعمت أركان حكمه طوال هذين العقدين، لكن المعركة سرعان ما انتهت، لصالح الشباب، الذين قدموا آلاف الشهداء، وركبوا العربات المسلحة، وهتفوا الجيش والشباب إيد واحدة، وأعدموا تشاوشيسكو فى محاكمة صورية استمرت لمدة ساعةوبعدها تولى الحكم جهة سياسية تسمى جبهة الخلاص، تتكون من الصف الثانى من الحزب الشيوعى الرومانى "الفلول"، وكان رئيس الحزب شخص يسمى "إيون إيليسكو" أحد حلفاء الدكتاتور الذى سقط، وتعلم "إيون " الدرس منذ اللحظة الأولى، وسعى لتحجيم الثورة، وحصارها، وإطلاق العنان للفلول، وبدأ بالجيش، وعقد صفقات مع جنرالاته الرومانيين، ومنه سيطر على الإعلام، وبينما ينتفض الشباب المثقف فى محاولة للدفاع عن الثورة من السرقة، هب "إيون" واتهمهم بالعملاء، والجواسيس، والعمالة للخارج، وتلقى التمويل من الجهات الخارجية، وحصولهم على الأجندات الأجنبية، ثم بدأ محاكماتهم، محاكمات سريعة، واحدا تلو الآخر، والتنكيل بكل من يعارضه، بحجة المرحلة الانتقالية، وأنه وحده القادر على توصيل رومانيا إلى بر الأمان. وتم بالفعل اسكات المعارضة الديمقراطية، باستخدام الإعلام، ليتم انتخاب "إيون إيليسكو" رئيسا للبلاد، بنسبة 85% بحثا عن الاستقرار بينما ماحدث كان مزيدا من الفساد والفقر والفوضي !

ربما لهذا السبب يختار سيناريو هشام هلال بوضوح اسم ورحلة بطله الرئيسي (سيد بوخارست) الذي يسافر بالفعل لرومانيا ليصبح التجانس مباشرا بين العالمين والشخصيات بل والبلدين المتشابهتين في معاناتهما وثوراتهما أيضا المجهضة ، (فسيد) هو ببساطة نموذج لملايين الشخصيات التي سرق حلمها واجهضت واضطرت للإنزواء او الإنصهار في مجتمع الجريمة والطموحات غير المشروعة ، فهولاعب الجودو المحترف، الذي يسكن منطقة الناصرية، والذي يرحل لرومانيا بعد فشله في الزواج من حبيبته التى تربطه بها علاقة حب منذ الطفولة، وهناك يفوز بمسابقة دولية في بوخارست فيطلق عليه لقب سيد بوخارست، وبعد عودته إلى مصر يجد أن الدولة لا تهتم بالرياضيين، فينضم لعصابات تجارة المخدرات ويدخل العالم السفلى لهذه التجارة الدولية حتي بعد عودته حيث تتشابه الظروف مع رومانيا من حيث الفوضي والمافيا .



ولكن عودة سيد بوخارست والذى يقوم بدوره أمير كرارة ، تكشف لنا جانبا اخر من مشكلات أخواته الثلاثة (دينا وسارة سلامة ودنيا وأحمد حاتم)  الصيدلي الشاب الحالم والذي يعيش ضعفا وتناقضات مذهلة تجعله غير قادر علي الفعل او اتخاذ اي قرار، بينما نلمح (دنيا) خريجة الإعلام التي لاتجد فرصة عمل مناسبة فتضطر للعمل بائعة بأحد المحلات وتواجه مشكلات عديدة ، اما (دينا) الخارجة من قصة حب مجهضة بدورها ولاتستطيع إستكمالها فنراها في صراع بين احلامها والتضحية من أجل إخواتها ، وعلي الجانب الأخر نري شخصية (سارة سلامة) الأخت الصغري نموذجا للإنتهازية والأنانية التي تفشت بعد الثورة حيث تبتز الجميع وتحلم بالشهرة وتتورط في مشاكل كبيرة .
والمسلسل يمتلأ بالشخصيات التي تكشف عن مجتمع يعاني من تفشي تجارة المخدرات في ظل انفلات أمني مرعب وفوضي حقيقية مع انتشار البلطجة والقتل واستخدام السلاح واختلاط عالم العشوائيات بعالم الكبار حيث يتبادل البلطجية وكبار رجال الأعمال المصالح عبر تحالف الدولة العميقة ليقدم المخرج والسيناريست عبر اداء شديد التميز لمجموعة كبيرة من الممثلين المخضرمين والشباب صورة شديدة الوطأة للمجتمع المصري المعاصر وقد نجح في ذلك الي حد كبير السيناريو العرضي الذي يرسم الشخصيات والتفاصيل بمهارة في حين ينجح المخرج محمد بكير  في ادارة ممثليه وكاميرات التصوير واستغلال الديكور لتقديم الصورة المأساوية بتشويق مدهش .

يشار الي ان المسلسل  من بطولة أمير كرارة ودينا وأحمد سلامة وعلا غانم ومى سليم وميريهان حسين ودنيا عبد العزيز وميسرة، وأحمد حاتم وأحمد صيام وأحمد فتحى وعمر متولى وسارة سلامة، من تأليف هشام هلال ومن إخراج محمد بكير.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق