الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

قرطاج يستمر في مواجهة الإرهاب بالسينما



هشام لاشين
بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفت تونس في بداية هذا العام انطلقت فعاليات الدورة 26 لمهرجان قرطاج السينمائي الدولي، الذي يعد من ابرز المهرجانات السينمائية العربية والافريقية للرد علي الإرهاب بطريقة عملية ورغم ذلك فإن الإرهاب لم يتركه حيث وقع بالقرب من مقر المهرجان الحادث الإرهابي البشع الذي أودي بحياة أكثر من عشرون من الحرس الرئاسي .
 حيث افتتحت وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية لطيفة الأخضر أعمال المهرجان الذى جاء تحت عنوان "الدنيا كلها سينما" بحضور كوكبة من نجوم الفن والسينما والمسرح من تونس والدول العربية والافريقية والاجنبية، فيما اطلقت المغنية والممثلة الاسبانية فيكتوريا أبريل شارة بدء انطلاق المهرجان.
وقد اقيمت فعاليات المهرجان على مدي اسبوع حتى 28 نوفمبر الجاري، حيث يجري خلالها عرض 350 عملا سينمائيا ، وضمت المسابقة الرسمية المكرسة للمخرجين العرب والأفارقة، 81 فيلما من بينها 17 فيلما طويلا و13 قصيرا و16 وثائقيا تنافست للفوز بجائزة “التانيت الذهبي” .
كما كرمت هذه الدورة نساء السينما المصرية ممثلات في - فاتن حمامة وأخواتها،اسماء البكري ،نبيهة لطفي ،معالي زايد،مريم فخر الدين ، كما يكرم نوري بوزيد ، اسيا جبار، حبيب مسروقي، مانويل داوليفيرا  .
وقد تكونت لجنة تحكيم المسابقة الطويلة من نور الدين الصايل : رئيس لجنة التحكيم و ابال جفري وأنيسة البراق وليلى شاهد سفيرة فلسطين لدى الإتحاد الأروبي و بلجيكيا و اللكسمبورغ ومارسيلا سعيد ونيوتن ادواكا والمخرج المصري اسامة فوزي  .

اما الافلام الطويلة المشاركة في المسابقة الرسمية فهي (رسالة الي الملك ) للمخرج هشام زمان من العراق وهو عن خمسة لاجئين في رحلة إلى أسلو تستغرق يوما واحدا والخمسة مرتبطون برسالة كتبها ميرزا العجوز ويريد تسليمها إلى الملك شخصيا و(قدرات غير عادية)  لداوود عبد السيد من مصر ويدور حول يحي  فشل تحقيقه العلمي حول الخوارق للوصول لأي نتيجة مما إضطره للخروج في عطلة و بينما كان هائما على وجهه استقر في دار ضيافة على شاطئ البحر يسكنها مجموعة من الأشخاص غرباء الأطوار...ام الفيلم المغربي (جوق العميان )لمحمد مفتكر فيدور خلال السنوات الأولى من حكم الحسن الثاني، حيث نري حسين المناصر لملكه الجديد ـ هو رئيس جوق شعبي و أب لميمو الذي يوليه كامل عنايته، ويعيش حسين وأسرته في البيت العائلي ،حيث يتعايش الجميع وها هو ميمو يقع في غرام خادمة الجيران.
 كما شارك الفيلم الذي اثار جدلا كبيرا وهو (الزين اللي فيك) لنبيل عيوش من المغرب والذي اعتبره البعض يقدم صورة مزرية عن الحياة في المغرب عبر عالم العاهرات ، ويدور حول 3 مومسات (رندة، سكينة وحليمة) محبات للحياة ومعتزات بأنفسهن ومتحررات، وتواجهن يوميا عنف مجتمع يستخدمهن، ويدينهن في نفس الوقت ، كما شارك فيلما أخر اثار الجدل وهو الجزائري (مدام كوراج) لمرزاق علواش والذي عرض مؤخرا في أحد المهرجانات الإسرائيلية قبل ان يعرض بالقاهرة السينمائي ، ويروي حكاية عمر، المراهق المذبذب الذي يعيش بمفرده في أحد الأحياء القصديرية بضواحي مستغانم، ويتناول مثل عديد الشبان الجزائريين حبوب التأثير النفسي (الهلوسة) المسماة السيدة شجاعة.

أيضا شارك فيلم (تخفيف تدريجي) لطرزان وعرب ناصر من فلسطين عن عائلة مافيوزية تسرق لبؤة حديقة حيوانات غزّة، حيث تقرر حماس تصفية حسابات قديمة معها، ومع اندلاع مواجهة مسلحة مع الخاطفين وجدت 13 امرأة أنفسهن محتجزات في صالون حلاقة صغير ل كريستين، وتحوّل هذا المكان المعد للتجميل والاسترخاء ـ بعد ظهر ذلك اليوم ـ إلى بؤرة تتصارع فيها شخصيات غريبة.
من افلام المسابقة الرسمية الطويلة أيضا فيام (الطريق) لرنا سالم من لبنان ويدور حول زوجان شابان يعيشان في بيروت ، وفجأة تركت (رنا) عملها  لتعيش حالة من العزلة بحثا عن سبب للوجود. وعندها قرّر زوجها (غي) أن عليهما أن يتركا المدينة، و يرحلا نحو الجبل، وهناك أيضا فيلم (البئر) للطفي بوشوشي من الجزائر عن نساء وأطفال قرية في جنوب الجزائر وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل جنود، ولا يستطيعون الخروج خشية الموت. ووجد هؤلاء القرويون أنفسهم شيئا فشيئا مهددين بالعطش، إلى درجة أنه سيتعين عليهم قريبا اختيار طريقة موتهم.

اما فيلم (شباب ربطات العنق)  لسيبس شونغوي من جنوب افريقيا فهو حكاية بالأبيض والأسود لايميلي، جايز، سبتمبر، نككي، تانيا، ماتي، تالي وراشي، كلّهم سود وبيض، فتيات وفتيان، مثلّيين أو من محبّي الجنس الآخر ، وهم من الضاحية الراقية لجوهانسبيرج يدمّرون أنفسهم طوال النهار، في غياب مشاريع للمستقبل، وهناك أيضا فيلم (بيتنا)  لسليمان سيسي من مالي ويدور حول (أوكا) احد منازل عائلة فنان في باماكو، وهي الدار التي تربطه بوالديه وبتاريخه وذكرياته، والتي طردت منها شقيقاته دون وجه حق، عام  2008، والفيلم صورة لمالي التي شهدت انزلاقها في الحرب، بالرغم من تقاليد التسامح التي عرفتها منذ الاستقلال .
شارك في المسابقة أيضا فيلم (شبابيك الجنة)  لفارس نعناع من تونس حيث يعيش سامي و سارة في ثلاثينات العمر حياة هادئة و تبدو سعيدة إلى أن داهمتهما إحدى المصائب ، والفيلم يناقش حياة زوجين عاديّين تتأرجح بين فقدان الأمل و الإحساس بالذنب والرغبة في العيش وإعادة بناء حياة جديدة أمام اللامعقول ، اما فيلم (علي حلة عيني) لليلي بوزيد من تونس فيدور في تونس عام 2010 اي عدة أشهر قبل الثورة، لنري فرح ـ 18 سنة ـ تجتاز امتحان البكالوريا، ووتتصور عائلتها أنها أصبحت بعد طبيبة، إلا أنها لا ترى الأشياء من نفس المنظار، فهي تغنيّ مع مجموعة روك ملتزمة، فهي تحيا وتنتشي وتكتشف الحب ومدينتها الليلية ضدّ إرادة والدتها ، والفيلم انتاج مشترك مع بلجيكا وفرنسا .

و من اثيوبيا نشاهد فيلم (ديفرات) للمخرج زيريسيناي مهاري حيث تمّ اختطاف هيروت، 14 سنة ،على طريق المدرسة، عبر تقليد تقليد قديم يقول بأنه على الرجال اختطاف المرأة التي يريدون الزواج منها، لكن هيروت نجحت في الإفلات، بعد أن قتلت خاطفها، اما فيلم (اشياء، متشرد بلا هدف) من رواندا للمخرج كيفو روحوراهوزا فيقدم لحظات قدوم المستكشفين إلى جنوب إفريقيا، حيث كان السكان المحليون البانتو يسمونهم الحائمون بسبب نزعتهم إلى الترحال داخل البلاد،  والفيلم يروي حكاية رجل أبيض يلتقي بفتاة سمراء سرعان ما اختفت عن ناظريه، ليحاول الرجل الأبيض معرفة سبب اختفائها .

اما فيلم (قصر الدهشة)  من تونس للمخرج مختار العجيمي فيدور في في مركز للمعاقين، وهو أيضا ملجأ للمعارضين، يخضع المقيمون فيه إلى ممارسات تعسّفية ، فالاضطهاد يمارس من قبل مجموع الأعوان بقيادة حازم مدير المركز، وتظهر بوادر المقاومة من خلال نضال، المناضل الذي قضى حياته بين الزنزانات، كما يدور فيلم  (نهر بلا نهاية ) من جنوب افريقيا للمخرج أوليفيي هرمانيس حول جيل وتوني كلاهما في حداد، اثر وفاة مقربين لهم مؤخرا، فالحزن يجمعهما، لكن وراءه يختفي حزن أكثر عمقا، ليأتي في النهاية وأخيرا فيلم(قلب الإعصار) من بوركينا فاسو للمخرج يكو تراوري ويدور  في بلد إفريقي تمزّقه الحرب الأهلية، حيث سخّرت محامية شابة للدفاع عن متمّرد متهم بارتكاب جرائم حرب، ومن خلال لعبة الشطرنج التي انطلقت بين المحامية المؤمنة بالمثل والطفل ـ الجندي سابقا، سنشاهد وجهان لإفريقيا المعاصرة.



الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

(الليلة الكبيرة) يكشف التشوهات الدينية والإجتماعية


                  

هشام لاشين
يعتبر الفيلم المصري (الليلة الكبيرة) المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السابعة والثلاثون بمثابة الجزء الثالث للثنائي احمد عبد الله مؤلفا وسامح عبد العزيز مخرجا بعد فيلمي (الفرح-كباريه) والتي تدور أحداثهما في يوم واحد ، كما تتشارك الثلاثية في رصد صراع لمجموعة من المهمشين تتقاذفهم امواج الفقر وتتلاطم أفكارهم بين التطرف الديني والأخلاقي حيث يتشكل عالما ساخنا تعلو فيه إيقاعات الموسيقي الشعبية والرقصات الهستيرية كما في (كباريه والفرح) بينما تعلو إيقاعات الإنشاد الديني وأغاني الذكر في الجزء الجديد(الليلة الكبيرة)  لتغلف كامل الأحداث .

في الجزء الجديد يرصد صناع الفيلم جدلية الصراع بين الصوفيين والسلفيين في قالب نقدي ساخر وعنيف بل وجرئ لعالم الصوفية عبر الموالد الشعبية الدينية التي يخترق عالمها السفلي ليقدم لنا أنماطا من البؤساء والجهلة والمغيبين الذين يسترزقون من هذه الموالد أو المترددين عليها لنري شرائح من نوعية المنشد الدينى (عمرو عبد الجليل) ويدعى أبو قمر الذي لم يتخل طوال أحداث الفيلم عن تناول مخدر الحشيش، والبحث عن المتعة الحسية حتى يكتشف أن آخر سيدة كاد أن يتزوجها كانت ابنته من غلطة سابقة له مع زوجة عازف الكمان الذي يعمل عنده (أحمد صيام) ، كذلك عامل السيرك (محمد لطفى ) الذى خان العهد مع صاحب السيرك الذي إحتضنه من الشوارع حيث لايعرف له أب أو ام كأي لقيط حتي نكتشف أنه ضحك علي إبنته لتحمل منه فيجبره علي الزواج منها ثم تطليقها في نفس الليلة ليعيده للشوارع مرة أخري .
هناك أيضا شخصية وهدان الأقرب إلي مريض نفسي نتيجة قيام والدته بمصاحبة الرجال مقابل جنيهات في الموالد مما يتسبب له في عقدة نفسية تدفعه للتحرش بالنساء في الموالد ومحاولة قتل أمه في نفسه طول الوقت عبر خيالات وهلاووس تصيبه بين الحين والأخر  .

ومن النماذج الذي يذخر بها سيناريو الفيلم نموذج المنقبة التي أجبرت علي النقاب من خلال والدها الذي قهر أمها وهاهو يواصل قهر إبنته إعتقادا منه أنه يحميها من طمع الرجال في جسدها وجمالها مما يسبب لها بدورها نوعا من الإزدواجية تسفر عن الزواج العرفي بأول رجل يغازلها رغم أنه قواد يستغل فندق عمه ويؤجره بالساعة .
ويمتد سيناريو الفيلم الذي يلجأ مخرجه لإسلوب البانوراما في العرض والقطع المتوازي أحيانا كما في الجزئين السابقين للمزيد من النماذج الإجتماعية المشوهة علي هامش الليلة الكبيرة لمولد (سيدي عرش الدين) ويربطها بكبير هذا المولد (محمود الجندي) ويطلق عليه الدكتور الذي نراه في مناظرة غير مباشرة وحوار جدلي مع أحد السلفيين (علاء مرسي) يحاول إقناعه بأن هذه الموالد لاتضر أحد ولاتصطدم مع ثوابت الدين في حين يري الأخر أنها نوع من التطرف والإستعانة بأولياء الله الصالحين وهو مايعد نوعا من الشرك في الإسلام ورغم إستسلام السلفيين -القادميين في ثوب مجموعة من رجال الإعمال بهدف هدم الضريح وتطهير الأرض من البدع - لمنطق دكتور الصوفية إلا أنهم يتمون صفقة شراء الأرض بعد تعهد بعدم هدم الضريح في حين يلجأ المؤلف والمخرج لتفجير الصراع مع المشاهد الأخيرة بالمكاشفة وفضح أسرار المولد بمنطق أقرب لبناء الجزئين السابقين مع ترك الأسئلة مفتوحة للتأمل علي كل الإحتمالات .


الطريف أن حوار الفيلم يلجأ لنقد سياسي يدفع جمهور الصالة للتصفيق حين يتم ابلاغ المنشد الديني بأن المحافظ وبصحبته شخصيات اجنبية جاءت لحضورالمولد ليرد بقوله: (الاجانب جايين يتأكدوا ج اننا لسة بنفقر ، مش بدأنا نفكر)، وهي جملة تظل بعد انتهاء مشاهدة الفيلم قابلة للتأمل وسط كل هذا الركام الذي نراه من التشوهات الإجتماعية التي يزخر بها مولد يجمع كل الأطياف وكأنه نسخة مصغرة من الوطن الكبير ، مثلما يبقي فلكلور المولد ومشاهد وأغنيات الذكر المحببة المختلطة بالشعوذة وإيقاعات كودية الزار وإصطكاك أصوات الأرجوحات وتدافع المريدين ورمي السكاكين كأحد ملامح  الليلة الكبيرة من المشاهد المؤثرة والمفعمة بالعبق والتي عادة ماتعجب لجان التحكيم مما يرشح الفيلم بالفعل لأحد جوائز المهرجان .

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

المتمردة.. معالي زايد


هشام لاشين
ظهرت معالي زايد لأول مرة في السينما المصرية من خلال فيلم "ولا من شاف ولا من دري" وجسدت دور"باتعة"، زوجة مرسي "عادل إمام" مدرس التاريخ الفقير، الذي يعيش معها في منزل والده وأمه.. شخصية بسيطة لإمرأة مصرية طيبة ومنكسرة تقف بجوار زوجها حتي يتجاوز محنته ونزوته التي كادت تتسبب في القضاء علي مستقبله قبل أن تنتقل لتقديم أول أدوارها الحقيقية في السينما في فيلم "وضاع العمر يا ولدي" عام 1978 لتثبت امتلاكها لموهبة فنية حقيقة ولمقومات الفنانة التي تجيد تشخيص الأدوار الصعبة والمعقدة وليبلغ رصيدها السينمائي حوالي 80 فيلماً.
ويعتبر فيلم "الصرخة" التي قدمته معالي زايد مع المخرج محمد النجار واحدا من الأفلام المهمة في تاريخها السينمائي حيث قدمت شخصية باحثة في علوم الصم والبكم تستغل البطل الأخرس في دراساتها لنيل شهادة الدكتوراه وبإعتبارها خبيرة في لغة الإشارة تستعين بها المحكمة لترجمة دفاع الأخرس عن نفسه في مواجهة اتهامه ظلما بالإغتصاب إلا أنها تترجم أقواله بطريقة خاطئة لتخفي تهمة محاولتها مراودته عن نفسه، أما فيلم "كتيبة الإعدام" فهي ابنة الريس غريب التي تسعي للثأر والإنتقام من الخونة الذين قتلوا والدها وسرقوا رواتب الجيش الثالث .. شخصية قوية مشبعة بالوطنية ودوافع الإنتقام ممن غدروا بابيها والوطن أيضا في فيلم ينتمي لمدرسة عاطف الطيب المميزة خلال أعوام الثمانينيات.

وفي فيلم آخر مختلف هو "البيضة والحجر" لعلي عبد الخالق سوف نلمح تنويعة علي بنت البلد الجاهلة التي تعتقد أن سر عنوستها هو الأعمال السفلية والسحر فتلجا للدجالين والعرافين لفك العمل، وفي "السكاكيني وبيت االقاضي والفرن" تنويعات أخري مختلفة علي الشخصية الشعبية لبنت من الحارة الشعبية فهي (بسبوسة) مدمنة المخدرات التي سقطت في كل انواع الرذيلة في السكاكيني حتي تجد يد تحتضنها وتعيد لها الثقة بنفسها، وهي أيضا (طعمة) الجدعة التي تنتقم لنفسها ولأبيها من ظلم المعلم داغر في الفرن.
صراع القوة

أما فيلم "الشقة من حق الزوجة" فهو نوعية أخري قدمتها معالي زايد مع مخرج اخر له بصلمته الإجتماعية والكوميدية هو عمر عبد العزيز، حيث نري كريمة ابنة رئيس زوجها فى العمل عبدالمقصود والتي تواجه الحاح أمها بالضغط علي زوجها نتيجة شعورها بالملل وانشغاله عنها لزيادة دخله مما يدفعها للتمرد وطلب الطلاق، ليبدأ النزاع بعد ذلك علي ملكية الشقة، وربما يكون هذا الفيلم تحديدا مع نجاحه الجماهيري الكبير هو مفتاح واحدا من الأفلام المهمة التي قدمتها فيما يشبه السلسلة مع المخرج رأفت الميهي وهو فيلم "سيداتي أنساتي" والذي يسخر بشكل فانتازي من قضية تعدد الزوجات في إطار مفارقة اقتصادية تنتهي أيضا بالنزاع علي الشقة في ظل ازمة إسكان كبيرة إجتاحت مصر منذ اوائل السبعينيات من القرن المنصرم، وفي هذا الفيلم كما في أفلامها التالية مع رأفت الميهي سوف نري تنويعات من الفانتازيا أيضا علي شخصية المرأة القوية فهي في فيلم مثل "للحب قصة أخيرة" تقدم شخصية الفقيرة التي تسعي لإنقاذ حياة زوجها المريض بالقلب ورغم عدم إيمانها بالمعجزات تلجأ للتبرك بـ "الشيخ التلاوى" و"القديسة دميانه" لكن الزوج يموت وتفقد إيمانها بكل رموز الشعوذة وتبدأ فى تكسيرها.. وهو واحد من الأدوار التي اثارت الجدل حولها وكادت تتعرض للسجن بسببها وخصوصا بسبب جرأة المشاهد التي قدمتها بداخلها حيث تم توجيه تهمة تصوير فعل فاضح وإحالتها الى نيابة آداب القاهرة .
المتمردة

وقد واجهت معالي السجن مرة أخري بعدها بسنوات في فيلم محدود القيمة هو "أبو الدهب"، ولكنها تعود مع رأفت الميهي لتقدم المرأة القوية والمتمردة في "السادة الرجال" ففي نفس القالب الفانتازي سوف نري الـزوجة فوزية إمرأة ناضجة مفعمة بالأنوثة والجمال، متزوجة من صحفي له ثقله وسطوته، لكنه ينظر إليها نظرته لمجتمع الحريم، وينهاها على أن تتجاوز حدودها كإمرأة، ويردد دائماً بأن الرجل هو صاحب الأمر والنهي في الحياة الأسرية وفي المجتمع ككل، لذا نرى فوزية تتمرد على هذه الحياة ويصل بها الأمر الى حد الثورة على مجتمع الرجال وعالمهم المضطهد للمرأة، فتقرر أن تصبح رجلاً.. وقد حصلت عام 1987 على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم الأخير من جمعية الفيلم.
وتتوالي السخرية عبر هذا الواقع المقلوب كما في باقي سلسلة الميهي ومنها "سمك لبن تمر هندي" والتي قدمت فيه معالي أيضا شخصية "إدارة الفقيرة" والتي بدورها تبحث عن شقة للزواج وتظل مطاردة هي وخطيبها طوال الفيلم حتي الموت, ففي سلسلة الميهي تحديدا سوف نلمح سمة مشتركة في أدوار معالي الممثلة وهي الإنسحاق الذي يتبعه قوة واصرار المرأة علي تجاوز الواقع المفروض عليها سواء من المجتمع أو من كينونتها إمرأة وهي غالبا ماتنجح في ذلك لتؤكد علي شخصية الفتاة المتمردة التي لازمت معالي زايد في معظم إن لم يكن كل أدوارها السينمائية علي الإطلاق .


فيلموغرافيا
ولدت "معالي عبد الله المنياوي" يوم 13 مايو عام 1953م في القاهرة، وهي تنتمي لعائله فنية فوالدتها الفنانة "آمال زايد"، وخالتها الفنانة "جمالات زايد"، تخرجت من كلية الفنون الجميلة عام 1975، كما حصلت على بكالوريوس من المعهد العالي للسينما، وقد اكتشفها المخرج الراحل "نور الدمرداش" الذي قدمها لأول مرة على شاشة التلفزيون عام 1976م من خلال مسلسل "الليلة الموعودة"، وفيما يلي رصد لرحتها السينمائية وأشهر أفلامها:
عنبر والالوان (2001)
قدر امراه (2001)
ابو الدهب (1996)
المكالمه القاتله (1996)
رجل مهم جدا (1996)
المراكبي (1995)
لولاكي (1993)
الزمن الصعب (1992)
الصرخه (1992)
المتهمه (1992)
البيضه والحجر (1990)
الخطر (1990)
سيداتي انساتي (1989)
كتيبه الاعدام (1989)
سمك لبن تمر هندي (1988)
السكاكيني (1987)
الزوجه تعرف اكثر (1987)
الساده الرجال (1987)
الطعنه (1987)
بصمات الوهم (1987)
شاهد اثبات (1987)
امراه متمرده (1986)
للحب قصه اخيره (1986)
عسل الحب المر (1985)
قضيه عم احمد (1985)
استغاثه من العالم الاخر (1985)
الشقه من حق الزوجه (1985)
دنيا الله (1985)
بيت القاضي (1984)
الارمله والشيطان (1984)
انا اللي قتلت الحنش (1984)
الفرن (1984)

العربجي (1983).

الخميس، 5 نوفمبر 2015

(لامؤاخذة) عندما تعالج العنصرية بتطرف مضاد



بقلم- هشام لاشين
(لامؤاخذة) كلمة تعني في العامية المصرية (عفوا) او (لاتؤاخذني) وهي منتشرة في الأوساط الشعبية منذ اوائل القرن الماضي تعبيرا عن الإعتذار او نطق كلمات غير مناسبة بسبب السخط.. ويبدو ان السيناريست والمخرج عمرو سلامة قد أطلقه علي فيلمه الذي يتناول موضع شائك ويكاد يكون من المحرمات في السينما المصرية وهو الدين وتحديدا العلاقة الإجتماعية والثقافية المتشابكة في المجتمع المصري بين المسلم والمسيحي.. وهو نفس الفيلم الذي حاز أكثر من 5 جوائز في المهرجان القومي للسينما المنتهي منذ ايام بل والذي حاز علي دعم مادي من وزارة الثقافة المصرية بينما ظل جهاز الرقابة التابع لنفس الوزارة يرفضه أكثر من 4 سنوات حتي خرج للنور ليحصد الجوائز ويثير الكثير من الجدل .
يكشف الفيلم النقاب عن حياة طفل مسيحي هاني عبد الله بيتر (أحمد داش) يتوفى والده، وسرعان ما تتراكم المشاكل على والدته حين تكتشف أن ميراث زوجها متمثل في ديون طائلة ، تضطر الأم لنقل هاني لمدرسة حكومية بدلاً من مدرسته الخاصة ، بينما تحذره من عدم الحديث في الدين والبعد عن عمل صداقات مع أقرانه لدرجة ان الجميع يعتقد انه مسلم .
يستعرض الفيلم بعد ذلك مجموعة من التعقيدات في العلاقات الإجتماعية المتوازية مع حياة مختلفة تماما عاشها (هاني) مما يكشف عن تباين شاسع في البيئتين الثقافية والإجتماعية ، فالطفل القادم من مجتمع أقرب لكوزبوليتان عاش مرفها في الكنيسة والمدرسة والمنزل والنادي الذي كان يمارس فيه رياضة التنس التي لاتتاح الا لقليلين من هذه الطبقة مستحيل ان يستطيع التعايش مع ثقافة شعبية مغايرة كل ابناء طائفتها من الحلاقين وماسحي الأحذية والباعة الجائلين والبلطجية حتي لو لم يكن مسيحيا ، وتلك هي السقطة الحقيقية في سيناريو الفيلم.
فالطفل المضطهد هنا غير متجانس او متكافئ مع مجتمع وثقافة أبعد ماتكون عن نشأته فلماذا يعتبره الفيلم مضطهد دينيا؟ انه بإختصار مضطهد فكريا واجتماعيا وهو بالتعبير الشائع (ارحموا عزيز قوم ذل) ونفس الأمر بالنسبة لوالدته التي اضطهدتها اسرة زوجها الراحل قبل ان يضطهدها أخرون، فمشكلة هاني ببساطة هي مشكلة أي انسان اضطرته الظروف ان يترك منطقة الزمالك مثلا ويسكن في حي إمبابة المترع بالعشوائية وأغنيات اوكا واورتيجا وسيارات التوكتوك التي تسير كالفئران في تداخل وجنون .
لذا يبدو من الصعب بعد ذلك التعاطف مع فكرة ان الحل الوحيد لأمثال هاني ان يأخذ حقه بيده بعد ان يترك التنس ويتعلم الجودو امتثالا لنصيحة احد زملائه بأن الذي يعيش في وسط الذئاب عليه ان يكون ذئبا وهو ماينجح فيه بالفعل حين يهزم زميله البلطجي في معركة حامية الوطيس وسط تشجيع وتصفيق زملاء المدرسة الذين يتحولون لتشجيعه بعد نبذه فهم مثل كل المجتمع لايحترمون إلا الأقوياء!!


المشكلة الأخري في الفيلم الذي أراد ان يعالج الاضطهاد الديني فلجا لأسلوب أكثر تطرفا وإضطهادا هو تصوير (هاني) بإعتباره مبدعا في كل شيئ في صنع طائرة او حتي في الغناء الديني الذي يكسب به أكثر الأطفال المسلمين مهارة والذي يربح جائزة الإنشاد كل عام ، وكأن الفيلم يريد ان يقول أيضا ان هذه مهمة سهلة يمكن ان يبرع فيها المسيحي الذي تربي في الكنيسة التي تحتضن الفن والإبداع والمسرح كما سيظهر فيما بعد بينما يتحول المسجد لوسيلة لعقاب الطلبة في الحصص الشاغرة .
وفي المقابل سوي نشاهد كل الغوغائية والعنف والإنحطاط في الذوق وفي دورات المياه وفي كامل جوانب الحياة داخل الفصل والمدرسة التي تحمل اسم (عمر بن الخطاب) بينما يعلق داخل الفصل (سورة الأنعام) في اسقاط واضح علي نوعية الطلبة والمدرسين بل يلجأ الفيلم لأغنية مباشرة تتحدث عن المتخلفين بينما تمر علي وشوش مدرسات محجبات ومدرسين أقرب للبلطجية منهم لتربويين بإستثناء المدرسة الوحيدة السافرة التي تتعرض بدورها لإضطهاد المجتمع !
فالمشكلة الحقيقية التي يواجهها فيلم (لامؤخذة) مع براعة تقنيته وكادراته الخانقة المتعمدة وتكوينات المشهد المشحونة بالدلالات والتفاصيل هي سقوطه في العنصرية رغم انه كان يبغي ان يحذر منها وكان الأجدر به ان يحذر من زحف الثقافة التحتية علي المجتمع وجذبه للخلف علي مستوي الوطن كله وليس فقط ديانة بعينها كما فعل اسامة انور عكاشة منذ أكثر من ربع قرن في مسلسله التحفة (الراية البيضاء )