السبت، 15 أغسطس 2015

علي حسنين: نجم الأدوار الثانوية المدهشة


                      
هشام لاشين

علي نحو طاغ يخترق المشاعر والعقول ظهر الفنان علي حسنين في فيلم (البحث عن سيد مرزوق) للمخرج داوود عبد السيد عام 1990 ، ذلك الفيلم الذي يتناول ، بأسلوب سينمائي جديد ، يوماً حافلاً في حياة بطله (نور الشريف) ، وهو موظف يعيش ما بين عمله وبيته ، في عزلة عن العالم منذ عشرين عاماً  فنراه يستيقظ صباحاً كعادته ليذهب للعمل ، لكنه يكتشف بعد خروجه من المنزل ، بأن اليوم هو الجمعة وأجازة ، هنا يقرر أن يخرج من عزلته الطويلة هذه ، ولوليوم واحد ، يقضيه خارج المنزل ، وبالتالي يبدأ رحلة مليئة بالأحداث الغريبة عليه ، ويلتقي بشخصيات عدة ، أيضاً غريبة عن عالمه ، ومن هذه الشخصيات التي تساهم في احداث التنوير لبطلنا شخصية المهندس سيد مرزوق (علي حسنين) الملياردير غريب الأطوار الذي يشبه فيلسوف او شخصية روحية غامضة وربما يكون هو مهندس هذا الكون الذي تدور خلاله الأحداث.. خفيف الظل حاسم واثق من نفسه ممتلئا بالحيوية والعلم، انه يلعب علي خيال الحالمين والمشتاقين .. يتحدث كيف كان مهراجا وهو صغير يمتلك فيلا حقيقيا صغيرا ايضا لديه كسوة وزينة قادمة من الهند ..قبل ان يتم التأميم ويتحول لمهراجا دون فيل.. انه يهذي ويروي اساطير واقعية احيانا تشبه اسلوب الفيلم الكابوسي ذاته .. دور يقترب من البطولة المشتركة مع نور الشريف الذي تصادف ان توفي قبله بيوم واحد، بل ان الفيلم كله يدور حول محور شخصية سيد مرزوق ويتسمي بإسمه..كانت انطلاقة واعدة لنجم من نوع خاص بملامح وجهه التي تبدو وكأنها تحمل حكمة الزمن وغموض الاساطير وشعره المسترسل الذي غالبا ماظهر به ليضفي احساسا خاصا يمنح للشخصية أبعادا اضافية من الوهج والتأمل ، فيما يستخدم عينيه بمهارة الممثل ليبرز التناقض بين الضعف والقوة والنزق والجنون .

كانت شخصية (سيد مرزوق) الغامضة تختلف الي حد كبير عن شخصية (ذرياب) التي قدمها علي حسنين بعدها بعامين تقريبا في فيلم "آيس كريم في جليم"،ذلك الفنان البوهيمي القادم من الشوارع والمفتخر بأنه صعلوك يساري فاشل ، وهو يحمل اسم (ذرياب) أشهر الملحنين الأندلسين والذي كانت له إسهامات كبيرة وبارزة في الموسيقى العربية والشرقية ، واحيانا ينادونه (زوربا) وكأنه زوربا اليوناني تلك الشخصية التي قدمها انطوني كوين ليعبر بها عن الحكمة وعشق الحياة بجنون في نفس الوقت.. وذرياب هنا هو مزيج من كل هذه الشخصيات التي قدمها بمهارة اضافت كثيرا وجعلت اسم علي حسنين يلمع أكثر في فيلم أكثر شعبية بكثير من الفيلم الأول الذي حقق نجاحا مهرجانيا وادبيا لكنه فشل في دور العرض بإقتدار.

بعد ذلك تنوعت أعمال علي حسنين فهاهو ينتقل من ذرياب الي الشيخ الضرير الساخر في فيلم (الكيت كات) ثاني اعماله مع داوود عبد السيد وهو الفيلم الأكثر شعبية في تاريخ المخرج وكأنه ينتقل بسيد مرزوق الممثل الذي لم يشاهده جمهور كبير في الفيلم الأول لشخصية أكثر شعبية رغم صغر حجم الدور للغاية ..فتصدي الفنان القدير لبضع دقائق علي الشاشة ليخرج الجمهور من الفيلم دون ان ينسي علي حسنين .
ومن الأدوار الهامة في تاريخ الفنان الراحل في السينما ايضا  فيلم "رشة جريئة" 2001، حيث قدم دور المخرج المثلي «شوكت حلبي» الذي لا يوافق على إسناد أي دور لأي ممثل رجل إلا بعد اقامة علاقة معه ، وتأتي النهاية الصادمة بموته ، شخصية اخري مختلفة وجريئة قدمها بلا تردد او خوف رغم سلبيات نوعية هذه الشخصيات التي كثيرا ماتلتصق بالممثل في مجتمع لايميز احيانا بين ماهو تمثيل وماهو واقعي، كما قدم شخصية «عزت الحناوي» في فيلم «بدل فاقد» 2009 ،وهو واحد من كبار تجار المخدرات الذي يواجه مشكلة مع زوجته بسبب تأخر الحمل قبل ان تموت في حادث سياره مدبر، ليؤكد بهذه الشخصية قدرته علي التنوع وتقديم كافة الاشكال من الخير للشر ومن الصعلكة للقمة .

كان علي حسنين المولود في الإسكندرية عام 1939،لم يحصل على اي تعليم جامعي فقد اكتفى بالثانوية العامة، وانشغل بالتمثيل في اذاعة الإسكندرية قبل ان يأتي للعمل بالقاهرة مع نشأة التلفزيون المصري ، لكنه كان معجونا بعشق هذا الفن الذي وهبه حياته بعد ذلك وكأنه هاو طول الوقت ،لذا لم يكتفي بالسينما وشارك في المسرح وفي المسلسلات فقدم بلطجي الحارة «فودة أبو حطب» في مسلسل «سوق العصر»، وهو واحد من أهم المسلسلات التي شارك بها واضافت لرصيده الفني كما قدم شخصية «فواز» في مسلسل الصعلوك وشخصية «محمود الطرابيلي» في مسلسل «المواطن إكس»، ناهيك عن المشاركة بأدوار متميزة في مسلسلات ابن تيمية بلاط الشهداء، أولاد آدم، ومسرحيات روميو وجولييت والملك هو الملك ، وكان اخر افلامه التي عرضت هذا العام هو فيلم «هز وسط البلد»، احد رواد المقهي الذين يرمزون الي جيل الستينات المهزوم نفسيا رغم حرب اكتوبر.

وكما هو معروف فقد شارك «حسنين» في العديد من أفلام «ديزني» العربية بصوته منذ بدايات دخولها للمنطقة العربية، حيث قدم الأداء الصوتي العربي لدور الشرير «جون راتكليف» في فيلم «بوكاهونتاس»، و«أرشيديون» في فيلم «أحدب نوتردام»، و«زيوس» في فيلم «هرقل»، و«فول تانك» في فيلم «سيارات» .

لكن تظل بصمته الفنية كممثل علي الشاشة في الأدوار الثانوية بمثابة ابداع خلده هذا الفن ومنحه مذاقه الخاص جدا الذي يرقي لدرجة البطولة ، حيث ان البطولات لاتقاس بحجم الدور وانما تقاس بمدي تأثيرها وخلودها في وجدان المشاهد حتي بعد إنطفاء أنوار الصالة .. او حتي انوار العمر.. رحم الله علي حسنين نجم الأدوار السينمائية المدهشة .