الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

هشام لاشين يكتب عن هنيدي.. أمير الكوميديا الجديدة!

هل بإمكاننا أن نعتبر محمد هنيدي بمثابة أمير الفيلم الكوميدي بعد فيلمه الأخير (أمير البحار) والذي يبذل فيه جهدا خارقاً يتجاوز به عيوب مذهلة في سيناريو مفكك ليوسف معاطي ليقدم جرعة كوميدية مدهشة أضحك بها الكبار مثلما أضحك الصغار وهي الميزة التي ينفرد بها هنيدي ومحمد سعد وحدهما بعد عصر إسماعيل ياسين؟ الإجابة في رأيي تأتي بالإيجاب فهنيدي قادر دوماً علي اختراق مساحة الضحك بثبات وفهم وتلقائية أيضاً.. وهو قادر علي تحويل المشهد بمجرد إطلالته إلي قنبلة ضاحكة تنفجر لتصيب المتلقي بهستيريا الضحك دون أن يكتفي بمجرد الابتسام..وقد حاول هنيدي عبر اختياراته لسيناريوهات أفلامه أن يطرح قضايا ذات قيمة علي المستوي المحلي والعربي وربما الدولي.. فهو مشغول بالقومية العربية رغم كل الانتكاسات علي هذا الصعيد ..وهو مشغول بإسرائيل كعدو لنا رغم محاولات التطبيع والاتفاقات الرسمية.. وهو مشغول بالقضية الفلسطينية وكل ذلك في قالب بسيط يعمد للسخرية المريرة التي تصل بالضحك لأعلي مستوي.. وقد واجه هنيدي ترهلاً في بعض سيناريوهات هذه الأعمال التي تصدي لها وواجه توفيقاً في البعض الأخر كما في (همام في أمستردام) و(عندليب الدقي) و(صعيدي في الجامعة الأمريكية) وغيرها.. ومشكلة فيلم (أمير البحار) أن سيناريو يوسف معاطي حائر بين مجموعة أشكال فنية في طرحه لموضوعه فهو يبدأ بشكل أقرب للفانتازيا وعبر سكتشات مختلفة للولد المدلل الفاشل في الأكاديمية البحرية وطرائف الصراع بينه وبين قبطان الأكاديمية ياسر جلال ومدير الأكاديمية الذي رباه وحانق علي فشله.. وتستمر هذه الإسكتشات ثلاثة أرباع الفيلم قبل أن ينتقل فجأة وبدون مقدمات لموضوع القرصنة البحرية مستغلاً حكاية المركب المصري التي اختطفت قبل أن تحرر نفسها بعد عدة أشهر في المياه الصومالية وسط أجواء تراجيدية مباشرة وإضاءة مختلفة عن الطقس العام لفيلم خفيف أصبح فجأة يحمل بعداً سياسيا واجتماعياً.. ويبدو الأمر كما لوأننا بصدد مسرحية من تلك النوعية التي سادت في الثمانينات والتسعينات حيث يستمر الهزل لمدة فصلين إلا ربع قبل أن تحل المشكلة في الثواني الأخيرة وتلقي الحكمة في المشهد الأخير.. والحقيقة أن وائل إحسان كواحد من أفضل مخرجي الكوميديا في هذا الجيل .. بل يعد أفضل مخرجي الكوميديا بعد فطين عبد الوهاب لم يستطع تلافي الكثير من مشكلات السيناريو المصورة معظمها في الغرف المغلقة.. وهو أسلوب المسرح المكتوب به الفيلم.. ولذلك لم نراه يحلق بكاميراته كالعادة في أجواء خارجية وعبر قطعات وفواصل مصنوعة بحرفية عالية.. وقد اجتهد في الجزء الأخير من خلال مشاهد السفينة ومحاولة محاكاة مشاهد تيتانيك وغيرها من التحف السينمائية بأسلوب هزلي نجح فيه إلي حد كبير ..ويبدو ممثلي هذا الفيلم في حالة مختلفة وجديدة مثل شيرين عادل وياسر جلال وغسان مطر وهناء الشوربجي وضياء المرغني ومحمد محمود وحسام داغر ولطفي لبيب ومها ابو عوف.. وإذا كان الفيلم قد حقق حتي الأن أكثر من ستة ملايين جنيه ونصف رغم تراجع الإقبال علي أفلام العيد فهو مايعكس أيضاً قيمة هنيدي كنجم شباك وكوميديان يمكن اعتباره (أمير) الكوميديا الجديد في مملكة السينما الضاحكة والذي نجح في ابتلاع كل ثعابين الكوميديا الحاليين!!

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

هشام لاشين يحاورالمخرج الجزائري الكبير احمد راشدي

أثارت عودة المخرج الجزائري أحمد الراشدي الى السينما بفيلم (مصطفي بن يولعيد) اهتماماً كبيراً خصوصاً وأنه أحد مؤسسي السينما الجزائرية في مطلع الستّينات، ويروي الفيلم مراحل نضاله في قرابة ثلاث ساعات قضاها في خنادق القتال ومجابهاته مع الفرنسيين التي أدّت الى اعتقاله بعد سنين طويلة من الحرب وهربه ومواصلة كفاحه صوب الحريّة٠ وراشدي من مواليد الجزائر عام 1938 ، درس تاريخ السينما وترأس أول مركز للسمعيات والبصريات في الجزائر فور استقلالها وشارك في إخراج الفيلم الجماعي "مسيرة شعب" لتخليد حركة التحرير الشعبية الجزائرية وأدار قسم السينما الشعبية في المركز القومي للسينما الجزائرية. .ومن أفلامه "فجر المعذبين" و"علي في بلاد السراب" و"الطاحونة" كما أخرج أكثر من 20 فيلما روائيا وتسجيليا إلى جانب دوره في إنتاج العديد من الأفلام الجزائرية بعد أن تولى إدارة قسم الإنتاج في المؤسسة القومية لتجارة وصناعة السينما ، وهو أيضا كاتب سيناريو متميز.. بمناسبة تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير وكذلك فيلمه (بولعيد) كان لنا معه هذا الحوار: • ماهو شعورك بالتكريم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟ - أن يتم تكريمي في معقل السينما العربية فهذا شرف كبير .. بل أكبر تكريم حقيقي عرفته منذ بدايتي السينمائية..فمصر عزيزة علي قلبي كما هي عزيزة علي قلب كل الناس..فمصر هي التي ألأهمت كل السينمائيين العرب..مهما كانت إنتماءاتهم ومقولاتهم عن التعلم في روسيا أو غيرها..فهم كاذبون لأن لايستطيعون الفكاك من تأثير مصر عليهم فنياً.. هذه حقيقة..فليس هناك سينما عربية إلا في مصر.. هناك أفلام عربية نعم.. ولكن ليس هناك سينما عربية. • حدثنا عن فيلم مصطفي بولعيد وظروف إخراج هذا الفيلم؟ - مصطفي بولعيد هو أحد أبطال الثورة الجزائرية..وقد ظل علي قناعة بأنه لايمكن إخراج المستعمر الفرنسي إلا بالمقاومة المسلحة بعد إستنفاذ كل الطرق السلمية.. وقاد هذه المعركة بالفعل..فهو أحد رموز هذه الثورة وإستشهد في سبيلها..وقد ضحي بمستقبله ومستقبل أولاده لإيمانه بقضية.. ويعتبر هذا أول فيلم جزائري علي خلفية تاريخية..وفرنسا مثلا صنعت 23 فيلما عن نابليون..والفيلم يركز علي المراحل الأساسية في حياة بولعيد وماحوله من أحداث وشخصيات تاريخية عاصرته وناضلت معه من أجل الإستقلال ومن ضمنها الأب الروحي للثورة مقالي الحاج صاحب حزب الشعب والذي كان ينتمي له معظم الثوار أنذاك ولكن طريقة مقالي والحزب لم تؤدي لنتيجة وهو مادفع مصطفي بولعيد لإنتهاج إسلوب المقاومة المسلحة ضد رابع قوة عسكرية في العالم • ماهي مراجعكم التي إعتمدتم عليها لصناعة هذا الفيلم وكيف واجهتم إشكالية الإنتاج المكلف لمثل هذه النوعية من الأفلام؟ - أنا أرفض مسمي فيلم تاريخي.. فهذا عمل سينمائي بالأساس .. وليس وظيفة السينمائي أن يكتب التاريخ .. ونحن إعتمدنا علي مراجع حقيقية.. مثل أصدقائه وأبناءه ورفقاء تجربته وأنا شخصياً إستفدت كثيراً من هؤلاء أكثر من أي مرجع ..وقد زرت المنطقة التي كان يعيش فيها وإلأتقيت بكل المعاصرين له هناك .. المؤرخ قد يكتب بطريقة علمية تركز علي أشياء عامة..لكني كنت معنيا أكثر بالتخيل والتفاصيل كما كنت معنياً بفترة العامين أو العامين والنصف التي تركز فيها نضال بولعيد. • تغيبت فترة طويلة عن الجزائر.. حدثنا عن هذه الفترة؟ - هي فترة طويلة كنا خلالها مطاردين ..فقد خرجت من بيتي أنا وأولادي وزوجتي بحقيبة صغيرة وكنا نتصور أننا سنبتعد لأسبوع أو أسبوعين فبقينا 6 سنوات خوفا من التهديدات التي وجهت للمثقفين الجزائريين وهي فترة شديدة المرارة فقد ذهبنا إلي فرنسا وهي حالة خطيرة بالنسبة لأي إنسان.. أن يغادر وطنه قسراً .. وفي هذه الفترة جاءتني أفلام من التلفزيون الفرنسي لاعلاقة لها بقناعاتي • هل عرضت عليك أفلاماً فرانكفونية موجهة وقتها؟ وكيف تعاملت معها؟ - الحقيقة أنه عرض علي العديد من هذه المشاريع وكلها طبعاً افلاماً تعرض تنازلات لتقديم سياق محدد ورفضتها تماماً فطوال عمري لاأقدم أشياءاً أنا غير مقتنع بها.. فأنا إعتبرت قبولي لهذه العروض نوعاً من الخيانة وهذا لايمنع أن كثيرين من إخواننا قبلوا قواعد هذه اللعبة فالتمويل الفرانكفوني كله موجه للخارج ولايهمه الجمهور العربي ذاته..أما جمهورنا فله مقاييس أخري وليس هناك حل وسط بين الطريقين ..وقد فقد هؤلاء السينمائيين الذين سقطوا في فخ التنازلات هوياتهم كمخرجين عرب.. • هل حقق بولعيد الفيلم نجاحاً مع الجمهور الجزائري؟ - الفيلم إستقبل بشكل جيد.. خصوصاً وأن هناك جيلاً كاملا من الشباب لايعرف شيئاً عن هذه الفترة وبالتالي لايعرفون شيئا عن بولعيد أو زملاءه الذين ظهروا في الفيلم ..مثل مصالي الحاج .. وهذا الجيل يحتاج لهذه النوعية من الأفلام .. أنا مثلا أحلم بتقديم فيلم عن حرب 73 في مصر .. ولاأفهم لماذا لم يقدم عشرون فيلماً علي الأقل عن هذه الملحمة للشعب المصري الذي قهر الأسطورة الإسرائيلية في 3 أيام • لو قدر لك تقديم مثل هذا الفيلم.. ماهي الزاوية التي يمكن أن تركز عليها فيه؟ - نفس الزاوية التي كان يقال منها أن الجيش الإسرائيلي لايقهر.وسقوط هذه الدعاية القوية في لحظات .. وكان يمكن للجيش المصري أن يصل لتل أبيب نفسها ..نحن لانحب الحرب ومضطرون لها.. فكلنا نتابع الحلول السياسية والقهر الافلسطيني أمامنا..والدول العربية تتراجع بوضوح..ومن زاوية الإنسان في معركة 73 فإن فكل جندي بسيط وضابط في معركة العبور يستحق أن يركز عليه الضوء ..ذلك الفلاح والعامل البسيط الذي صار بين يوم وليلة البطل المجهول الذي لانعرفهو يستحق فيلما..وهذا الإنسان هو الذي سأركز عليه في فيلم من هذا النوع ..وأنا أهتم بالإنسان في كل أفلامي ..ذلك الإنسان الذي يدخل بقناعة قوية إلي الإعتراك ليصبح بعد ذلك البطل المجهول..فلا تجد إسمه مسجلاً أو معروفاً أحياناً.. • مشروع الفيلم تعثر لسنوات لأسباب إنتاجية .. كيف تغلبت علي ذلك؟ - المشكلة الأكبر كانت أثناء التصوير.. فالممثل الرئيسي تعرض لكسر في قدمه بعد ثلاثة أسابيع فقط من التصوير..وكانت النتيجة أن توقف الفيلم سبعة أشهر وكانت هناك مشاكل خاصة بالراكورات وغير ذلك..ولاأعتبر أنني واجهت مشاكل في التمويل.. بل أن سيادة الرئيس تدخل شخصياً لتيسير إجراءات ودعم ظهور هذا الفيلم للنور..فهذا النوع من الأفلام الحربية يحتاج لدعم ضخم من الجيش من جنود ودبابات وأسلحة وغير ذلك..ولو لم يتحقق ذلك لما كنت فكرت أساساً في فيلم من هذه النوعية..وكانت الإشكالية في تصوير الفيلم بالأماكن الحقيقية التي عاش بها الأبطال الحقيقين..كما أن هنالك أماكن جبلية وعرة.. وكنا نبحث أيضاً عن شباب يشبهون هؤلاء الحقيقين وكانوا 82 ممثلاً جميعهم تحت عمر 32 سنة وكان ذلك أمراً ليس باليسير .. فكل الممثلين الكبار سنهم كبير.. وكان لابد من الإستعانة بممثلين غير محترفين..ولذلك ستجد أن 95 بالمائة من الممثلين في الفيلم يظهرون علي الشاشة لأول مرة..وكانت بالفعل مسئولية كبيرة أـمني أن نكون قد نجحنا في القيام بها. • كيف تعاملت مع المساحة الشائكة بين الفيلم الروائي والتسجيلي وأنت تقدم فيلماً عن شخصية حقيقية؟ - أهم شيئ في أي فيلم سواءاً كان تسجيلياً او روائياً أو حتي يعرض في دقيقة هو السيناريو..فهو المرحلة الأساسية والفاصلة في أي عمل سينمائي..ليأتي بعد ذلك إختيار الأدوار وأماكن التصوير ووضع جدول زمني للتنفيذ والسيناؤيو كتبه مؤرخ وأ>يب جزائري إسمه جمع مادته وكتبه علي مدار 6 سنوات وكان إحترامه للتاريخ شديداً ولأن السينما لها مقتضيات تستلزم الموازنة بين إحترام التاريخ ووجود منظور فني للتعبير عن الواقع فقد صنعنا معاً وبالإقناع حلولاً لتحقيق هذه المعادلة..وقد صورنا في الأماكن الحقيقية للأحداث حتي السجن والبيت وطبعاً كانت هناك ديكورات لبعض المشاهد الداخلية وعملية الهروب الطويلة من السجن وماتستلزمه من حفر وحوائط داخلية • ماهو مشروعك القادم؟ - بطل أخر من أبطال ثورة الجزائر في منطقة أخري هو كريم بلقاسم والذي عاش كل مراحل الثورة تقريباً منذ إندلاعها في نوفمبر 1954 وحتي نهايتها ثم صار وزيراً في الحكومة المؤقتة الجزائرية وكان رئيس وفد المفاوضات الخاصة بالإستقلال والموقع عليها .. وبعدها مشروع حرب 73 • هل نعتبر أحمد راشدي مقاتلاً بالكاميراً ؟ - أنا أعتبر نفسي مناضلاً بالكاميراً فعلاً وقد كان الفرنسسين يعلمون قوة هذا السلاح وقتها وكانوا يمنعوننا من إستخدام الكاميرا..وأنا لدي قضية هي التركيز علي مشاكلنا العربية ونضالنا من أجل البقاء وسط ظروف صعبة وحصار من كل جانب .. وأنا لاأعمل علي الواقع اليومي المعاش لأن التلفزيون يقدم ذلك لحظة بلحظة لكني أعمل دائماً علي وجهة نظر خاصة بي في الأحداث التي تحيط بنا .. فالمفروض أن يكون العمل الروائي أو السينمائي أقوي من الواقع بإستخدام الخيال ...ملحوظة: أجري هذا الحوار قبل مباراة مصر والجزائر الأخيرة في السودان والتي تلاها أحداث مؤسفة كثيرة نتمني أن يتجاوزها الشعبين بأسرع وقت ممكن.. فإذا كان هناك أمثال أحمد راشدي مازالوا بيننا فذلك يعني أن الفنانين والمثقفين لازالوا هم الطليعة التي يجب أن ترأب الصدع وتتجاوز مافعلته السياسة ..أو ماإستغلته السياسة لتعميق الهوة بين شعبين سيظلا شقيقين .. مهما حدث !!