الجمعة، 27 أكتوبر 2017

وحيد حامد..المقاتل الرومانسي


هشام لاشين
تقرر تكريم السيناريست الكبير وحيد حامد في مهرجان دبي القادم بجائزة الإنجاز الفني عن مجمل مشواره وهو مايعد مناسبة جيدة للحديث عن هذا المبدع .
والمتأمل في كتابات وحيد حامد المبكرة وبعدها بقليل يدرك ببساطة كمية الشجن والعاطفية الشديدة التي تجتاح سطور معطرة برائحة الحنيين الطاغي والرقة المتناهية كما في سطور إحدي قصصه القصيرة التي تحولت فيما بعد لمسلسل إذاعي ثم سهرة تلفزيونية بعنوان (انا وأنت وساعات السفر) والتي ترصد لقاء إثنان من العشاق إفترقا لسنوات طويلة وتزوج كل منهما قبل أن يلتقيا في
رحلة قطار فيتصاعد بينهما العتاب وتكون فرصة لإسترجاع شجون رائعة قبل ان يفترقا مرة أخري في نهاية الرحلة .
هذا الحنين وهذه اللقاءات المجهضة التي تكشف عن الفرص الضائعة في حياة المحبين سوف تظل هاجسا موجودا في روايات او لنقل سيناريوهات وحيد حامد بعد ذلك بما فيها الاعمال التي تحول فيها إلي مقاتل يطلق رصاص حواراته القوية المتميزة ضد التطرف والإرهاب الاسود دون أن يفقد رهافة علاقاته التي تشبه خيوط الدانتيلا وتأثيرها علي مصائر أبطاله في أكثر من 40 فيلما إنحاز خلالها للبسطاء وهمومهم ودافع عن حقهم في الحياة الكريمة. .
في فيلمه -مثلا -الذي يحمل عنوان (طائر الليل الحزين) سوف نري واحدة من قصص الحب المجهضة وسط ظروف شديدة التعقيد حيث يكتنفها الجانب السياسي ووجود هؤلاء الكبار في دهاليز الحكاية بل ومعظم حكايات وحيد حامد ، ويدور العمل حول عادل المسجون المحكوم عليه بالإعدام في جريمة لم يرتكبها، حيث أنه وقت إرتكاب الجريمة كان بصحبة إمرأة لا يعرفها، فيهرب من السجن وبمساعدة القاضي حازم المقتنع ببرائة عادل وشقيقته، يجد المرأة لكنهما يكتشفا أنها زوجة رجل أعمال شهير جداً مما يمنعها من الشهادة ببرائته .
وفي فيلمه (الإنسان يعيش مرة واحدة) سوف تتجلي قصص الحب من بين سطور معاناة وإغتراب ونميمة مجتمع مغلق عبر هاني المنكل به بالنقل للسلوم كمدرس بسبب إستهتاره ، وحكاية بكري الهارب من الثأر والذي يموت كل يوم بسبب الخوف حتي يولد من جديد علي يد هاني الذي يقنعه بأن الإنسان يعيش مرة واحدة وعليه أن يواجه مصيره بشجاعة .. إنه الجانب الفلسفي أيضا الذي دفع وحيد حامد ليقدم فيما بعد سلسلة أفلامه التي يواجه بها طيور الظلام رافعا قلبه فوق يديه دون أن يهاب المواجهة، في حين يخلط هذه المواجهة ضد الفساد والتطرف في أعمال أخري تؤكد ذلك العرض المتوازي بأن الاعداء الحقيقيين لهذا الوطن هما الفساد والإرهاب كما في  (طيور الظلام) الذي لخص فيه هذا المعني الأخير حيث أن من يصوبون الكرة لتحطيم زجاج هذا الوطن في مباراة مشتركة هم المتطرفون والفاسدون معا في مشهد موحي يجمع بين بطليه (فتحي وعلي) قرب نهاية الفيلم .
وتتكرر المواجهة في افلام من نوعية (اللعب مع الكبار-المنسي- الإرهاب والكباب-كشف المستور-الراقصة والسياسي-دم الغزال) حيث يضع حامد يده بمشرط جراح ماهر علي موطن الداء حين حين يحدث التزاوج بين الفساد والفن ، أو حين يصبح القهر والجوع والفهم السطحي للدين مدخلا ساخرا لعملية كبيرة في مجمع التحرير تنتهي كعادة الكاتب في الكثير من أعماله بطريقة رومانسية حيث تخرج الجموع في حراسة الشرطة دون معرفة المتسبب في كل ذلك .

أما المنسي فيكشف عن نموذج المهمشين في مجتمعنا في مواجهة قوة جبارة عاتية لعالم رجال الاعمال ، ليتحول جانب كبير من أبطال وبطلات كاتبنا لما يشبه (الدونكي شوت) الذي يحارب طواحين الهواء ، أو نماذج أخري لأسطورة (سيزيف) الذي ماأن يتصور بعد عناء أنه صعد للقمة حتي يكتشف انه لامفر من السقوط فيظل يعاود ويعاود دون كلل لمواجهة قدره المحتوم ، وكل هذه معادل ونماذج للمواطن المصري الذي ظل وحيد حامد مهموما به في معظم أعماله التي ربما تصل لذروتها في تحفته مع عاطف الطيب (البرئ) .
وهذا الفيلم تحديدا والذي تعرض للمنع فترة قبل السماح به بعد تغيير النهاية يجسد السيناريو والحوار التلغرافي الذي إشتهر به الكاتب ، وبمنتهي البراعة تلك العلاقة السياسية المعقدة بين المواطن البسيط والقهر، وبين البراءة والجريمة الكاملة التي يرتكبها من يفترض بهم حماية الناس من البطش، وهو فيلم ينتصر لفكرة ضرورة مواجهة الظلم حتي لو كان بطريقة دراماتيكية عنيفة وهي النهاية التي فجرت بدورها الكثير من الجدل .

ويتكرر الامر في فيلم (الغول) الذي اثار بدوره ضجة ومنع لفترة بعد ان شكلت له لجنة رقابية خاصة وقالت ان الفيلم يعد مظاهرة سياسية مضادة للنظام القائم في البلاد ومعاداة لنظام الحكم ومؤسساته القضائية ، ، ويشجع بل يدعو الى الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الاموال ، وتدور أحداث الفيلم حول قضية قتل متعمد لأحد الموسيقيين وإصابة راقصة بحادث سيارة ، والفاعل هو ابن أحد كبار الانفتاحيين الذي يحاول بأساليبه الملتوية ان يسقط التهمة عن إبنه لكي تحفظ القضية ضد مجهول . إلا ان الصحفي الذي صادف ان يكون شاهداً للحادث يصر على ان تأخذ القضية مجراها الطبيعي أمام القضاء . لذلك يقرر الوقوف ضد محاولات الانفتاحي الكبير والتصدي له ، لكنه لا يستطيع الصمود أمام هذا الغول وتياره الجارف ، فيصاب باليأس والاحباط ويقرر تنفيذ حكم الاعدام في هذا الغول نيابة عن المجتمع .
والحقيقة ان الفيلم كان إسقاطا موجها ضد مساوئ الإنفتاح الإقتصادي في سبعينات القرن الماضي لكن نهايته المثيرة للجدل لم تختلف كثيرا عن نهاية فيلم البرئ الذي ينتهي بتصويب الرصاص للقائمين علي معسكر الإعتقال ، فالحل الفردي بإستخدام السلاح ليس هو الحل ، ولاتكون مواجهة الفساد والقهر بالدعوة للعنف وهو ماأخذه عليه النقاد وإعتبروا ان الحلول التي يدعو لها وحيد حامد خرجت من الرومانسية الثورية في افلامه إلي المواجهة الدموية وهو ملايجوز في مبدع ينتقد عنف الإرهابيين .


وبعيدا عن العديد من الاعمال الأخري كمسلسلات وحيد ضد جماعة الإخوان في أجزائه أو حتي مناقشة الإرهاب في (العائلة واوان الورد) ، فإن مبدعنا ظل مخلصا لرومانسيته الإجتماعية حتي في أعتي مواقف مواجهته للفساد كما في (ملف في الاداب-أخر الرجال المحترمين-ديل السمكة-كل هذا الحب-أضحك الصورة تطلع حلوة- الاولة في الغرام) مثلما ظل مقاتلا مخلصا ايضا لمواجهة الفساد والتطرف في معظم أعماله ، ولذلك إستحق عن جدارة لقب الرومانسي المقاتل الذي جمعته الظروف بمخرجين ونجوم نجحوا في توصيل رسالته كعاطف الطيب وشريف عرفة وسمير سيف وعادل إمام ومحمود عبد العزيز ويسرا ونور الشريف وغيرهم ، بينما يظل حواره التلغرافي الجانح للفلسفة والرومانسية أحيانا وللمباشرة أحيانا أخري واحدا من أهم مايميز هذا الكاتب الذي بدا حياته عاشقا للسرد عبر القصة القصيرة قبل أن يصبح واحدا من ابرز فرسان الرواية السينمائية .

منة شلبي.. نوارة السينما المصرية



حصلت علي 8 جوائز في عام واحد عن فيلم واحد

هشام لاشين
فازت النجمة منة شلبي بـجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم نوارة وذلك في حفل ختام الدورة الحادية والعشرين من المهرجان القومي للسينما المصرية ، ليصل بذلك عدد الجوائز التي حصلت عليها عن هذا الفيلم فقط  إلى 8 جوائز علي مدار عام واحد فقط .
فقد سبق وفازت مؤخراً بنفس الجائزة في الدورة الثانية من جوائز السينما العربية وقبلها من مهرجان دبي السينمائي الدولي التي شهدت العرض العالمي الأول للفيلم، مهرجان مالمو للسينما العربية، مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية، مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط ومهرجان وهران السينمائي الدولي ، كما فازت منة بـجائزة النقاد كـأفضل ممثلة من مهرجان الفضائيات عن دورها في مسلسل المخرجة كاملة أبو ذكري، والمعروض موسم رمضان الماضي.
في أولى مشاهد فيلم "نوارة"، تقتحم الكادر فتاة بسيطة يبدو من ملابسها وطريقة مشيها ، وهيتحمل وعاءين خاويين، تخترق بهما شوارع وأزقة العشوائيات، باتجاه أحد صنابير المياه العمومية، حيث تصطف النساء لتملأ أوعية المياه النظيفة، أنها جزء من هذه البيئة التي من الواضح انها درستها جيدا وهي القادمة من حي المنيل الراقي في الواقع والذي لايتيح الفرصة للتعرف علي هذه النماذج، لكن منة شلبي الماهرة في محاكاة الشخصيات لعبتها ببساطة وإقتدار وكأنها عاشت عمرها كله بين أتون الفقر وضغط بيئة العشوائيات بكل متناقضاتها .

نتابع ،عبر الفيلم، نوارة في طريقها اليومي، تنتقل من مواصلة لأخري، تارة خلف "ميكروباص" أو "باص" يتراص فيه البشر بأعجوبة في رحلة تحايل يومية للعيش، قبل أن تعود في آخر النهار منهكة في "توك توك" يمكنه اختراق الحواري الضيقة الملتوية لتصل إلي منزلها البسيط، والذى تعيش فيه مع جدتها "توحة" البائسة التي تقترب من الانزواء، وتحلم بلقمة ورشفة ماء وكفن يسترها.
ونوارة كما يرسمها سيناريو الفيلم شخصية مخلصة بلا حدود للأسرة التي ائتمنتها علي بيتها، بل وهي تري بسذاجة مفرطة أنهم أناس طيبون لا يستحقون ما يحدث معهم .. وبعد أن تمنحها مخدومتها مبلغا مكافأة لزواجها قدره عشرون ألف جنيه، تأتي الشرطة لجرد الفيلا وتستولي من نوارة علي العشرون ألف جنيه اعتقادا أنها سرقتها لتسجن نوارة الوفية النبيلة المطحونة في رسالة لا يخطئها الفيلم ، وهنا نلمح واحدة من أروع المشاهد والإنفعالات لممثلة حين تكشف عن قمة الاحباط والإنهيار امام كل هذا الظلم رغم إخلاصها بما يجعلها بالفعل واحدة من الممثلات القديرات في غضون سنوات قليلة بعمر السينما التي لعبتها .

واذكر منة شلبي في بدايتها حين منحها رضوان الكاشف بطولة أول اعمالها في فيلمه ( الساحر) كانت تهمس لي في جنوب تونس حيث قدمت الفيلم هناك بعد رحيل رضوان الكاشف بانها مجنونة سينما وفن وأنها عشقت توجيهات المخرج وكانت كما تحب ان تكون عجينة طيعة ، وكان ماأعجب المخرج علي مايبدو أنها بتلقائيتها وعفوية نطقها للكلمات قادرة علي توصيل المعني المراد من الشخصية التي كانت تحمل بالصدفة إسم نور ، وكأن المسيرة بدأت مع نور والجوائز المبكرة وتقف اليوم علي أعتاب نوارة بعد مايقرب من 16 عاما من الخبرة ، وكان المراد ان تكون نور هي التعبير عن النزق والإندفاع بلا حدوود ومحاولة كسر قيود الاب الذي يخشي عليها أكثر مما ينبغي فتكون النتيجة إنحرافها الكامل .

ومرة أخري شتان بين نور المندفعة التي تطلق الكلمات وتفور بالإثارة الحسية كمهرة جامحة شابة ، وبين نوارة التي عصرتها التجربة وطحن عظامها الفقر بينما لازالت تحلم بالبيت والزواج ممن أحبت ، نور كانت شعاع من نار خرج من مارد لايعرف حدوود للتهور ، أما نوارة فهي الأكثر نضجا وحكمة والتي عصرتها الايام وعلمتها التجربة .
وبين نور ونوارة قدمت منة شلبي العديد من الأدوار الكوميدية والدرامية والأكشن والرومانسية كما في افلام( بحب السيما، وأحلى الأوقات، وهي فوضى، والماء والخضرة والوجه الحسن، وبعد الموقعة، والأصليين) ، وفي التليفزيون مسلسلات (حديث الصباح والمساء ، حارة اليهود ونيران صديقة وواحة الغروب، وحرب الجواسيس وغيرها)، وحصدت في المقابل العديد من الجوائز من مهرجانات دبي وتطوان ومالمو ووهران 2016 عن نوارة ، وقبلها جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) من   مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية 2006، وجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (عن العشق والهوى )من المهرجان القومي  للسينما المصرية 2006، كما منحها الجمهور لقب أفضل ممثلة في عدة استفتاءات أجرتها صحف وإذاعات مصرية وعربية.

وقد ظلت منة شلبي في مثل هذه الاعمال وغيرها نموذجا للبنت المصرية المتنوعة والقادرة علي تلوين أدائها وشكلها بما يتطلبه الدور ، فهي في ( العاصفة) و(انت عمري)  لخالد يوسف غيرها في (فيلم هندي) لمنير راضي ، و(بنات وسط البلد)  لمحمد خان ، كما انها في (كدة رضا واسف علي الإزعاج ) لخالد مرعي وأحمد نادر جلال  مختلفة عنها في فيلم مثل ( الاصليين) لمروان حامد ، وفي هذا الفيلم الاخير تحديدا قدمت منة شخصية بسيطة بمنتهي التعقيد ، و بحرفية فائقة مستعينة بملابس تشبه الشخصية المقسومة نصفين بين الجنة والنار والشهوة والعفة والموت والحياة وهو ماعبرت عنه بمهارة واضحة .

وفي كل الاحوال كانت منة هي البنت المصرية بكل بساطتها وتعقيدها وخلجاتها وطموحها ونزقها باشكال مختلفة وتنويعات متباينة بصحبة العديد من المخرجين الكبار كخان ويوسف شاهين ورضوان الكاشف ويسري نصر الله وخالد يوسف وغيرهم ، وهي رحلة مدهشة وخصبة رغم مرور 16 عاما فقط عليها لكنها كشفت إننا إزاء وهج لفنانة معجونة بموهبة التمثيل حتي النخاع ، وانها تستحق ان تكون بالفعل نوارة السينما المصرية والعربية بلا منازع 

الخميس، 12 أكتوبر 2017

محمد راضي..ورحل مخرج البطولات في شهر النصر





هشام لاشين                                                                           
من مفارقات القدر ان تأتي وفاة المخرج الكبير محمد راضي في شهر أكتوبر المتزامن مع إحتفالات النصر ، وهو المخرج الذي قدم واحدا من أهم الاعمال التي رصدت لفترة حرب الإستنزاف التي مهدت لنصر اكتوبر العظيم وهو فيلم (ابناء الصمت) عام 74 ناهيك عن افلام أخري في نفس الإتجاه وهي (العمر لحظة) عام 1978، بالإضافة إلى (وراء الشمس) الذي يدور حول المعتقلات السياسية عبر نسكة 67، وأخيرًا فيلمه "حائط البطولات" الذي انتهى من إخراجه عام 1999، لكنه بقى فى الأدراج ﻷكثر من 12 عامًا.
في ثلاثيته (ابناء الصمت-العمر لحظة-وراء الشمس) سوف نلمح ذلك القاسم المشترك لأسلوب مخرج كلاسيكي متجدد يعرف كيف يشحن المتفرج بقطع متوازي او متتالي بالفارق الكبير بين جبهتين متناقضتين إلي حد كبير في أكثر لحظات الوطن سخونة ليخرج من رحم هذا الصراع دراما واقعية إجتماعية مرهفة بالدلالات والتفاصيل المثيرة الأقرب للكابوسية .
 في فيلمه الاول المأخوذ عن رواية المبدع «مجيد طوبيا» ، يدفع أبناء الصمت حياتهم ليسددوا بها فواتير التفريط الداخلي، حيث يموت المصريون الحالمون بوطن حر مرفوع الرأس بينما يحيا الإعلامى الذى يبرر، والمناضل الحنجوري، والممثلة الضائعة في نزواتها، والمسئول الذى يستغل موقعه ليحقق الثراء ، ويعتبر من أفضل الأفلام التي صنعت من أجل حرب أكتوبر المجيدة،وانتجها ال راضي .
واحداث الفيلم تدور في  22 أكتوبر 1967، عندما أغرق المصريون المدمرة إيلات الإسرائيلية، وفى نفس الوقت جن جنون العدو فضرب مدينة الزيتية بالسويس، تبلغ حرب الاستنزاف ذروتها مع العدو الإسرائيلى، والجنود على حافة القناة، يهبطون خلف خطوط العدو فى سيناء، ملحمة من ملاحم النضال فى تاريخ الشعوب المكافحة، تستمر هذه العميات مع هؤلاء الجنود الفدائيين إلى يوم العبور فى 6 أكتور 1973 وتحطيم خط بارليف ، كل ذلك عبر تصاعد درامي وكاميرا لاهثة تتحرك فوق الجبهتين الداخلية والخارجية باسلوب متدفق يحفز التتبع ويرصد الصراع ومتناقضاته بتصوير مدهش .
اما فيلمه (العمر لحظة) والذي يلخص لكاتب الرواية يوسف السباعي مقولة “أن العمر لحظة.. قد يعيش الأنسان حياته كلها دون أن يجد تلك اللحظة التي تُجسد عمر بأكمله وقد لا يعيش إلا تلك اللحظة فتغنيه عن أي سنوات إضافية” .. وراضي يستغل هذا المعني من بين سطور احداث  نكسة 67 وهزيمة الجيش المصرى، عبر  قصة "نعمة" الصحفية المتزوجة من رئيس تحرير له نزواته الخاصة، وتنصب مقالاته على اليأس من الحرب ضد إسرائيل، إلا أن الزوجة تجاهلت ذلك واتجهت إلى العمل التطوعى وسافرت إلى جبهة القتال لرفع الروح المعنوية للضباط والجنود والكتابة عن حرب الاستنزاف، حيث تلتقى "محمود" ضابط الصاعقة ويقع الحب بينهما ثم تنشب حرب أكتوبر 73 وينتصر الجيش المصرى، وتنفصل "نعمة" عن زوجها وتتزوج "محمود" البطل العائد .
وراضي هنا كما في فيلمه السابق وفيلمه التالي يعتمد علي نفس المنهج في المقارنة والقطع بين جبهتي الصراع الداخلي والخارجي بينما يركز علي لحظات إكتشاف النفس والذات بحثا عن التحرر لتتحول سطور رواية الأديب الكبير عن فلسفة العمر اللحظة إلي دم ولحم وشخوص وافكار تتحرك ببساطة وإقناع علي الشاشة الكبيرة .
اما فيلمه الثالث في هذه المجموعة فهو (وراء الشمس) الذي ترصد أحداثه أعقاب الهزيمة العسكرية المروعة في يونيو 1967، حيث يصر أحد كبار قادة الجيش على إجراء تحقيق للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الهزيمة وهو الأمر الذي يؤدى إلى اغتياله بمعرفة قائد السجن الحربى ، وتستمر الاحداث التي ترصد عالم المعتقلات والتعذيب وكيف يمكن للقهر ان يتسبب في هزائم متتالية علي مستويات عديدة ، وبالتالي فهو فيلم مكمل للبحث في أجندة فساد جبهة داخلية لاتريد ان تعترف بأنها سبب رئيسي في اي هزيمة وتحديدا 67 .
وراضي هنا مفعم بالتفاصيل والحوارات الساخنة داخل جدران معتمة واجواء قهرية زنزانية تشي بنتائج محتمة مع إستخدام اسلوب (كافكا) في الكتابة الكابوسية وكأنه بدوره يكشف عن اسلوب شبيه في الأخراج يبرع فيه راضي من خلال هذا الفيلم كما في فيلميه الاخرين .
والحقيقة ان قيام محمد راضي بتاسيس جماعة السينما الجديدة التي كانت تهدف لخلق تيار جديد في السينما المصرية والتي ضمت في عضويتها شباب السينما المصرية انذاك والذين أصبحوا من ابرز صناعها فيما بعد كان له علاقة بذلك الاسلوب الذي حاول به كسر المالوف في السرد خصوصا في هه الثلاثية ، وقد قدم راضي افلاما اخري لها اشكال مختلفة بعد ذلك  مثل أمهات في المنفي والإنس والجن والهروب من الخانكة ، لكن يظل أسلوب راضي الكابوسي هو سمة السرد الاساسية التي جعلت لفلامه مذاقا خاصا جدا .
وقد حصد راضي عشرات الجوائز وشهادات التقدير عبر مشواره الفني ، وكنت محظوظا بالعمل كعضو لجنة تحكيم تحت رئاسته في مهرجان جمعية الفيلم السنوي قبل عامين حيث وجدته كعادته شخصية متواضعة رقيقة تنصت لراء الاخرين ولاتنفرد بالرأي أو تفرضه من موقع الرئاسة أو حتي الخبرة والتاريخ وهو أسلوب أخر تفرد به راضي بعيدا عن الكاميرا ليكشف عن تواضع الكبار وإحترامهم لألأاخرين حتي اخر لحظة من حياته .