السبت، 9 ديسمبر 2017

القدس في السينما العربية.. سبعون عاما علي النكبة



مع حلول الذكري السبعون علي النكبة الفلسطينية الشهر القادم التي أعقبها تأسيس دولة إسرائيل، وتشريد أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم ، وفي ظل القرار الاخير للرئيس الامريكي بتدشين القدس عاصمة لإسرائيل يصبح لزاما علينا أن نستدعي موقف السينما العربية من هذه القضية منذ نشأتها وحتي الأن وإلي أي مدي كان شكل الإنتاج السينمائي خلال هذه الفترة .
وقد كانت البداية من خلال عزيزة أمير إحدى رائدات السينما المصرية التي أنتجت وكتبت قصة وسيناريو فيلم «فتاة من فلسطين» الذي أنتج بعد النكبة مباشرة في عام 1948 وأخرجه محمود ذو الفقار ،تلاها افلام من نوعية «الله معنا» اخراج أحمد بدرخان  و«أرض الأبطال» إخراج نيازي مصطفى، ، وكذلك و«وداع فى الفجر» لحسن الإمام ،  و«أرض السلام» مع المخرج الكبير كمال الشيخ، و«الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين الذي يعتبر من أهم الافلام التي ركزت علي قضية القدس بإعتبارها عربية يجري حولها الصراع وكيف أنها أكثر امانا في يد العرب لكل الحجاج والزائرين من أي فصائل أو كيانات أخري .


كما تم تقديم افلام أخري هامة عن هذه القضية مثل «فداكي يا فلسطين» الذي أخرجه عام 1970 أنطوان ريمي وشاركت في بطولته المصرية سناء جميل والفلسطيني-اللبناني محمود سعيد وفيلم «السكين» الذي كتبه غسان كنفاني وأخرجه خالد حمادة  و«المخدوعون» لتوفيق صالح و«ظلال على الجانب الآخر» للمخرج غالب شعث وصولا «لناجي العلي» لعاطف الطيب و(باب الشمس)  ليسري نصر الله وافلام حديثة أكثر بساطة من نوعية (ولاد العم) و(اصحاب ولابزنس) و(صعيدي في الجامعة الامريكية) وغيرها .

بعد ذلك -وكما يقول الناقد والباحث عماد النويري في كتابه المهم ( القدس في السينما) - حضرت القدس سواء بالصور، أو الإشارات المسموعة والمحكية، في العديد من الأفلام العربية، وعبر خطين روائي تجاري، ووثائقي تسجيلي، فبعد حرب 1967 وبروز القضية الفلسطينية كقضية آنية وملحة لدى الجماهير العربية أكثر من أي وقت مضى، وظهور الفدائي الفلسطيني المعادل التعويضي للانهزامية العربية الرسمية، لجأ المنتج التاجر إلى استثمار القضية مادياً باعتبارها سلعة رائجة وأسلوباً ناجحاً في استغلال عواطف الجماهير ومشاعرها الوطنية.

لكن من المهم الإشارة أيضا أن السينما الفلسطينية نفسها قدمت العشرات من الافلام المهمة عن القضية وعن القدس تحديدا فاذا كانت هناك افلاما فلسطينية  فمن روادها ما قبل 1948 محمد صالح الكيالي، إبراهيم حسن سرحان، أحمد حلمي الكيلاني، وجمال الأصفر،لكن الافلام التي ظهرت عن مدينة القدس بدأت متأخرة كثيرا وخصوصا في العقد الاخيرة من الالفية المنصرمة مثل  «القدس تحت الحصار» للمخرج جورج خليفي، و «بيان عن مآذن القدس» للمخرج جمال ياسين، وفيلم «القدس، أبواب المدينة»، للمخرج فرانسوا أبو سالم، و «القدس.. احتلال مثبت في الحجر»، للمخرج مارتي روزنبلوث، و«النار القادمة» للمخرج محمد السوالمة، وفيلم «ومحوطة بالسور» للمخرج وليد بطراوي، ، و«كوشان موسى»، للمخرجة عزة الحسن، و«القدس يوم إلك ويوم عليك» للمخرج ليون وليامز بالاشتراك مع تينوس كرارم، وفيلم «القدس وعد السماء»، للمخرج إياد داود، و"الذاكرة الخفية، حكاية الجواهرة الثلاثة، عرس الجليل" لميشيل خليفي .

كما ظهرت افلام مع الالفية الثانية مثل فيلمي (خلف الأسوارو تذكرة إلى القدس ) للمخرج رشيد مشهراوي ، وفيلم «جوهر السلطان»، للمخرجة نجوى النجار ، وفيلم «آخر الصور» للمخرج أكرم الصفدي ، وفيلمي «فورد ترانزيت» وأفلام«القدس في يوم آخر» و(عمر) و (الجنة الان) للمخرج هاني أبو أسعد ، وفيلم «عبور قلنديا» للمخرج صبحي الزبيدي ، و فيلم «صباح الخير يا قدس» للمخرجة سها عراف ، فيلم «يد إلهية» للمخرج إيليا سليمان .
وبالطبع فإن هناك افلاما أوروبية صنعت أو صورت في مدينة القدس وفي الارض المحتلة عموما مثل الفيلم الفرنسي «فلسطين»، «ساعة ونصف الساعة» لبول لوي سولييه، وقد أنتج بمعاونة الاستعلامات الجزائرية، وهو عبارة عن ريبورتاج صور داخل الأرض المحتلة، وفي الأقطار العربية، كما ان هناك افلاما يهودية وصهيونية ظهرت في مراحل مختلفة لتصوير القضية بوجهة نظر مزيفة وكان ذلك علي مراحل طوال السنوات الماضية، لكن تظل السينما العربية ورغم تعاملها الخجول نسبيا بالنسبة لهذه القضية مكتظة بالمشاهد والافكار المهمة حول فلسطين عموما والقدس بشكل خاص طول الوقت .

ومن المهم أيضا ان نعرف ان هناك العديد من المؤتمرات والمهرجانات التي حملت لافتة القدس مثل مؤتمر المقدسات الفلسطينية بإتحاد الفنانين العرب في التسعينات وصدرت عنه عدة مطبوعات ابرزها (الصهيونية وسينما الإرهاب)  للناقد والباحث (احمد رافت بهجت) ، كما ظهرت بعض الكتب وابرزها كتاب (القدس في السينما العربية ) للكاتب والباحث عماد النويري و كتاب (فلسطين في السينما) للمخرج قيس الزبيدي الذي  يجمع ما رصدته الكاميرا عن فلسطين في تسعة عقود، من وعد بلفور إلى ملحمة جنين، من خلال حوالي 800 فيلم شارك فيها فنانون مختلفوا  الجنسيات من فلسطينيين وعرب وأجانب، وتشمل طيفاً واسعاً من الأفلام الروائية والتسجيلية، الطويلة والقصيرة، ويشكل هذا الكتاب تحديداأرشيفاً كاملاً لتاريخ السينما الفلسطينية .

كما حمل مهرجان الإسكندرية السينمائي قبل الاخيرشعار "القدس في السينما العربية" حيث عرض فيلم (الطوق الأبيض) للمخرجة الفلسطينية حنين جابر في حفل افتتاح المهرجان، إلى جانب مشاركة مجموعة من الأفلام الفلسطينية التي تتحدث عن القدس سواء الروائية والوثائقية والقصيرة.

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

اكاديمية الفنون تمنح الدكتوراه الفخرية لمديحة يسرى ونادية لطفى



فى لفتة انسانية رائعة قرر مجلس اكاديمية الفنون برئاسة الاستاذة الدكتورة احلام يونس منح الدكتوراه الفخرية لكلا من الفنانة القديرة مديحة يسرى والفنانة القديرة نادية لطفى وذلك يوم الجمعة القادم الموافق 8 من ديسمبر الجارى.

هذا وسوف ينتقل مجلس الاكاديمية برئيسته ا.د احلام يونس  و ا.د عادل يحيى نائب رئيس الاكاديمية والسادة عمداء المعاهد الى مقر اقامتهم بمستشفى المعادى و دار المنى وذلك لتكريمهم واجراء مراسم منحهم الدكتوراه وهو ما يعد سابقة فى تاريخ الاكاديمية .

والجدير بالذكر ان الفنانتين لهما تاريخ حافل ومشرف للسينما المصرية والعربية وقد علموا اجيالا متتالية  كيفية احترام الفن باعتباره قيمة كبيرة للمجتمع وجسدوا ادوارا مازالت تدرس حتى الان على الساحات الفنية.


يذكر ان الدكتورة  احلام يونس قد سبق وزارت الفنانة مديحه يسرى لتهنئتها والاحتفال معها بعيد ميلادها ولتبلغيها بخبر تكريمها من الاكاديمية حيث اعربت سمراء النيل عن سعادتها بهذا التكريم من اكاديمية الفنون منارة الفن والفنانين على مستوى الشرق الاوسط

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

شادية.. عزف منفرد في عشق مصر


هشام لاشين
لم تكن شادية مجرد فنانة إستثنائية قدمت أروع الأغاني العاطفية والوطنية علي مدار سنوات طويلة مترعة بالتحولات السياسية والإجتماعية وإنما نجحت بالفعل في تقديم عزف منفرد في عشق مصر في عشرات الاغاني بل والمواقف التي دفعتها للخروج عن صمتها وإعتزالها لأول مرة بعد عقدين تقريبا في عام 2011 وفي قمة سخونة احداث25 يناير ، لتقوم بالدعاء لمصر علي الهواء مباشرة في مداخلة مع الإعلامي عمرو الليثي .
وقالت شادية في مداخلتها.. انا مش مصدقة اللي بيحصل ده.. ادعو ربنا ليل نهار أن يعقل ولاد مصر لافتة ان  مصر إسمها مكتوب في القرأن.. ومؤكدة علي ضرورة ان نحافظ عليها..
وأضافت وصوتها متهدج بالدموع: مصر عملت إيه ياربي.. حاجة تقطع القلب.. محصلش ولاهيحصل.. إذاي نهون علي بعض. الواحد مذهول ..إذاي واحد يضرب في أخوه أو إبن عمه ، ونصحت ولاد مصر وقالت ده حرام.. مش مصر اللي يحصل فيها كدة .
كانت تلك هي كلمات شادية الفنانة والإنسانة التي عشقت تراب مصر وغنت لها أروع الاغاني لدرجة ان تحولت أغنيتها ياحبيبتي يامصر بعد أكثر من ربع قرن إلي مايشبه النشيد الوطني في ميدان التحرير للتعبير عن لحظة حرجة مرت بها في 2011 .
لم تترك شادية مناسبة وطنية إلا وغنت فيها لمصر دون أن تتقاضي مليما واحدا ففي اعقاب نكسة 67 وضرب مدرسة بحر البقر غنت "الدرس انتهي لموا الكراريس" ، وبعد نصر أكتوبر غنت (لما كنا صغيرين) التي لم تتبرع بأجرها فحسب وإنما دفعت ثمن الاشرطة التي تم التسجيل عليها ، كما غنت عبرنا الهزيمة ن مصر ياعظيمة .
وغنت شادية لبور سعيد في اعقاب العدوان الثلاثي امانة عليك امانة  يا مسافر بورسعيد ، امانه عليك امانه لتبوس لي كل ايد حاربت في بور سعيد، وغنت للسويس.. باكتب جوابي من السويس
علشان حبيبي في العريش، مثلما غنت مصر اليوم في عيد بعد إستعادة سيناء كاملة .
كما غنت بلد الاحرار ، ويابنت بلدي زعيمنا قال قومي وجاهدي ويا الرجال، قومي قومي قومي وجاهدي يا بنت بلدي ، وغنت لأمتها العربية (عربي في كلامه عربي في سلامه ، حتي ابتسامه حتي خصامه) ، وهي ايضا التي غنت (هوا يا هوا ياللي انت طاير
هات لي يا هوا وياك بشاير) .
لقد تغزلت شادية بالتعاون مع أسماء كبيرة في التأليف والتلحين مثل محمد حمزة وبليخ حمدي والموجي وفتحي قورة والحبروك وعبد الرحيم منصور وغيرهم في حب مصر باشكال مختلفة فهي التي غنت (رايحة فين ياعروس ، رايحه فين ياعروسه يام توب أخضر) ، كما غنت (ادخلوها سالمين إدخلوها سالمين...إدخلوها آمنين، مصر بلد المؤمنين...مصر بلد الطيبين) و(وحياة رب المدائن، وحياة رب المداين ، لأزرع رملك جناين ، وأبنيلك قصر مرمر،  يا بلدنا يا ست الحسن) .
ويمكن القول بلا مبالغة أن شادية أحبت مصر بصدق ودون أدني إفتعال فكانت بمثابة التعبير الراقي والصادق عن هذا الحب ن وربما لها السبب إستحقت لقب صوت مصر الذي قدم عزفا منفردا ندر أن يتكرر مثله في تاريخ الاغنية الوطنية علي مدار تاريخها .



الأحد، 12 نوفمبر 2017

شادية ترحل بعد رحلة مدهشة


هشام لاشين
رحلت شادية الحنجرة الذهبية والاداء الدافئ الراقي، والإنسانة الرقيقة والنببيلة بعد رحلة مرض وتبتل ، وحضور طاغي طول الوقت رغم الغعتزال.. وهذا هو الغياب الثاني للفنانة شادية عن تكريمها بمهرجان القاهرة السينمائي.. في المرة الاولي كرمت وإعتزلت بسبب الإعتزال، والثانية أهداها المهرجان دورته وقبل ان يختتم فاعلياته رحلت لتترك خلفها حسرة كبيرة وفن عظيم وسيرة عطرة .

في عام 1994 كلفني الراحل الكبير سعد الدين وهبة بعمل كتاب عن الفنانة شادية وذلك في إطار فكرة تكريمها بمهرجان القاهرة السينمائي، وكنت في نفس الوقت أعد بالفعل لدراسة بخصوص هذه الفنانة التي قررت الاعتزال في صمت دون ان تتنكر لأعمالها الفنية وهو مايحسب لها بالفعل في فترة كانت بوادر التبرأ للفن قد بدأت تلوح في الافق، وتحدث معها سعد وهبة الذي قدم لها عدة سيناريوهات أفلام سابقة مثل (مراتي مدير عام) واحد من أنجح افلامها وأكثرهم تقدمية وإنصافا لقضية عمل المرأة .. المهم انها رحبت وحدثتني بالفعل من مكتبه وقلت لها انه بمجرد الإنتهاء سارسل ماكتبته لها علي شقتها بميدان كوبري الجامعة بالجيزة امام حديقة الحيوان وهو ماحدث بالفعل واعجبها جدا وقتها وقالت للراحل بالحرف الواحد دراسة ممتازة وانا سعيدة بها وشكرته وابلغته بتوصيل الشكر لي ،كما وافقت شادية علي حضور المهرجان وان كانت قد تراجعت بعدها في اللحظات الاخيرة ربما بناءا علي فتوي بأنها اعتزلت وعليها عدم الظهور ويكفي طبع الكتاب وتوزيعه بالمهرجان .
لازلت اذكر هذا الموقف والكتاب الذي مر عليه الان مايقرب من 23 سنة تقريبا ربما مع ظهور أخبار غير بريئة اشاعت انها بالعناية المركزة وانها في حالة خطيرة وهو مانفاه المحيطون بها من أقرب صديقاتها بالإضافة لنقيب الممثلين ، بل وهو ماتأكدت منه بنفسي والحمد الله الذي اطال لنا في عمر هذا الفنانة التي إحتفظت طيلة سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بلقب (نجمة الشباك الأولي)، وقد ظلت شادية تحتفظ برصيد حب وعشق الناس لها ولفنها لسنوات طويلة بعد ذلك ، وحتي بعد إعتزالها في هدوء ودون تصريحات تشجب او تتنكر لتاريخها الفني ، ولايرجع ذلك إلي أخلاقيات شادية فحسب ولكنه يرجع ايضا الي وعيها بقيمة وروعة ماقدمته للساحة الفنية دون تبذل او إسفاف .
لقد إحترمت شادية جماهيرها العريضة مثلما أمتعنهم بتلقائيتها وعفويتها التي كانت أحد أسرار دخولها للقلوب من أوسع الابواب ، ولذلك إحترموها ورفعوها علي الاعناق ، كما تهافت علي العمل معها كبار النجوم والمخرجين ، فكانت بمثابة الجواد الرابح لأي عمل تشارك فيه لدرجة ان اعتبر البعض ان تاشيرة النجاح لابد ان تاتي عبر شادية كما فعل المطرب والمخرج اللبناني محمد سلمان عندما جاء الي مصر وكان جواز مروره للشهرة اول فيلم قدمه معها وهو (قدم الخير) فكانت قدم الخير عليه فعلا ، وتكرر الامر مع كارم محمود في (معلهش يازهر) و(لسانك حصانك) .
وعندما تحول الملحن منير مراد للطرب واراد دخول السينما انطلق فورا ليطلب من شادية مشاركته بطولة فيلميه (انا وحبيبي) و(نهارك سعيد) ولم يشذ من هذه القاعدة احد حتي عبد الحليم حافظ بكل جماهيريته في الغناء وقتها حيث كانت بطاقة تعارفه السينمائية الاولي فيلما مع شادية هو (لحن الوفاء) ، وعندما ظهر المطرب كمال حسني ضمن تأشيرة النجاح من خلال شادية بمشاركتها فيلم (ربيع الحب) عام 1956 ، ووصل الامر بنجم لامع مثل كمال الشناوي ان قدم معهااكثر من 30 فيلما ليكونا بذلك اشهر ثنائي عرفته السينما العربيةعلي مدار تاريخها، وهو ماتكرر بنسب اخري بعد ذلك مع شكري سرحان وعماد حمدي وصلاح ذو الفقار ومحسن سرحان ورشدي اباظة .
شادية إذن كانت تميمة حظ هذا الفن المتميز المترع بطلتها الشقية وحكمتها البليغة ونظراتها المؤثرة وادائها المتنوع والواثق لأقصي حد ، حتي وهي تقدم بطولة أول وأخر مسرحية لها (رية وسكينة) حققت نجاحا ساحقا وكانت وش السعد علي فنان مثل احمد بدير، وقد نالت العديد من الالقاب مثل (صوت مصر) كمطربة قدمت العديد من الاغاني الوطنية المتميزة والتي كانت يقدم بعضها في ميدان التحرير ايام 25 يناير حيث كانت (ياحبيبتي يامصر) هي النشيد الوطني الجامع المانع لجمهور الميدان في هذه الفترة ، وربما كان بدوره تميمة حظ من نوع أخر .

وقد  اطلق عليها القاب مثل (نجمة الشباك الاولي) في الخمسينات، (ودلوعة السينما المصرية) في المرحلة الاولي من حياتها الفنية ، كما تجاوز رصيدها السينمائي المائة فيلم بينما تجاوز رصيدها الغنائي السبعمائة أغنية ، وكان فيلمها (المرأة المجهولة) هو اول فيلم عربي يعرض بنجاح في الإتحاد السوفيتي السابق وعواصم اوربا الشرقية وحقق وقتها إيرادات تزيد عن المليون جنيها وهو بمقاييس سعر اليوم يساوي حوالي مليار جنيه مصري ، كما عرض لها فيلم (شيء من الخوف) عرضا جماهيريا بايابان وحقق نجاحا كبيرا ، وكانت قد قدمت قبلها فيلما يابانيا بعنوان (جريمة علي ضفاف النيل) امام النجم الياباني وقتها (يوشيرو إيشبهارا) .

شادية أيضا غنت امام الكثير من الملوك والرؤساء كاملك فاروق والملك حسين والملك الحسن الثاني والرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر والسادات وحسني مبارك ، ورغم لك فهي نجمة الجمهور الاولي لتجمع بين نجومية الشعب والحكام ، ولتصبح حالة فريدة من الحب والتميز يحتاج لصفحات وصفحات من البحث والتحليل في سر هذه التميمة الرقيقة التي ساهمت في تكريس جزء مهم من تيار السينما الغنائية والروائية الجادة في مصر والعالم العربي ، كما ساهمت في تشكيل جانب كبير من حسه ووجدانه الوطني والعاطفي قبل ان تنسحب في هدوء المهذبين الواعيين لتعلن انه حان وقت التوقف بعد ان تركت إبداعها لسنوات طويلة ليكون ملهما لمن بعدها .

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

وحيد حامد..المقاتل الرومانسي


هشام لاشين
تقرر تكريم السيناريست الكبير وحيد حامد في مهرجان دبي القادم بجائزة الإنجاز الفني عن مجمل مشواره وهو مايعد مناسبة جيدة للحديث عن هذا المبدع .
والمتأمل في كتابات وحيد حامد المبكرة وبعدها بقليل يدرك ببساطة كمية الشجن والعاطفية الشديدة التي تجتاح سطور معطرة برائحة الحنيين الطاغي والرقة المتناهية كما في سطور إحدي قصصه القصيرة التي تحولت فيما بعد لمسلسل إذاعي ثم سهرة تلفزيونية بعنوان (انا وأنت وساعات السفر) والتي ترصد لقاء إثنان من العشاق إفترقا لسنوات طويلة وتزوج كل منهما قبل أن يلتقيا في
رحلة قطار فيتصاعد بينهما العتاب وتكون فرصة لإسترجاع شجون رائعة قبل ان يفترقا مرة أخري في نهاية الرحلة .
هذا الحنين وهذه اللقاءات المجهضة التي تكشف عن الفرص الضائعة في حياة المحبين سوف تظل هاجسا موجودا في روايات او لنقل سيناريوهات وحيد حامد بعد ذلك بما فيها الاعمال التي تحول فيها إلي مقاتل يطلق رصاص حواراته القوية المتميزة ضد التطرف والإرهاب الاسود دون أن يفقد رهافة علاقاته التي تشبه خيوط الدانتيلا وتأثيرها علي مصائر أبطاله في أكثر من 40 فيلما إنحاز خلالها للبسطاء وهمومهم ودافع عن حقهم في الحياة الكريمة. .
في فيلمه -مثلا -الذي يحمل عنوان (طائر الليل الحزين) سوف نري واحدة من قصص الحب المجهضة وسط ظروف شديدة التعقيد حيث يكتنفها الجانب السياسي ووجود هؤلاء الكبار في دهاليز الحكاية بل ومعظم حكايات وحيد حامد ، ويدور العمل حول عادل المسجون المحكوم عليه بالإعدام في جريمة لم يرتكبها، حيث أنه وقت إرتكاب الجريمة كان بصحبة إمرأة لا يعرفها، فيهرب من السجن وبمساعدة القاضي حازم المقتنع ببرائة عادل وشقيقته، يجد المرأة لكنهما يكتشفا أنها زوجة رجل أعمال شهير جداً مما يمنعها من الشهادة ببرائته .
وفي فيلمه (الإنسان يعيش مرة واحدة) سوف تتجلي قصص الحب من بين سطور معاناة وإغتراب ونميمة مجتمع مغلق عبر هاني المنكل به بالنقل للسلوم كمدرس بسبب إستهتاره ، وحكاية بكري الهارب من الثأر والذي يموت كل يوم بسبب الخوف حتي يولد من جديد علي يد هاني الذي يقنعه بأن الإنسان يعيش مرة واحدة وعليه أن يواجه مصيره بشجاعة .. إنه الجانب الفلسفي أيضا الذي دفع وحيد حامد ليقدم فيما بعد سلسلة أفلامه التي يواجه بها طيور الظلام رافعا قلبه فوق يديه دون أن يهاب المواجهة، في حين يخلط هذه المواجهة ضد الفساد والتطرف في أعمال أخري تؤكد ذلك العرض المتوازي بأن الاعداء الحقيقيين لهذا الوطن هما الفساد والإرهاب كما في  (طيور الظلام) الذي لخص فيه هذا المعني الأخير حيث أن من يصوبون الكرة لتحطيم زجاج هذا الوطن في مباراة مشتركة هم المتطرفون والفاسدون معا في مشهد موحي يجمع بين بطليه (فتحي وعلي) قرب نهاية الفيلم .
وتتكرر المواجهة في افلام من نوعية (اللعب مع الكبار-المنسي- الإرهاب والكباب-كشف المستور-الراقصة والسياسي-دم الغزال) حيث يضع حامد يده بمشرط جراح ماهر علي موطن الداء حين حين يحدث التزاوج بين الفساد والفن ، أو حين يصبح القهر والجوع والفهم السطحي للدين مدخلا ساخرا لعملية كبيرة في مجمع التحرير تنتهي كعادة الكاتب في الكثير من أعماله بطريقة رومانسية حيث تخرج الجموع في حراسة الشرطة دون معرفة المتسبب في كل ذلك .

أما المنسي فيكشف عن نموذج المهمشين في مجتمعنا في مواجهة قوة جبارة عاتية لعالم رجال الاعمال ، ليتحول جانب كبير من أبطال وبطلات كاتبنا لما يشبه (الدونكي شوت) الذي يحارب طواحين الهواء ، أو نماذج أخري لأسطورة (سيزيف) الذي ماأن يتصور بعد عناء أنه صعد للقمة حتي يكتشف انه لامفر من السقوط فيظل يعاود ويعاود دون كلل لمواجهة قدره المحتوم ، وكل هذه معادل ونماذج للمواطن المصري الذي ظل وحيد حامد مهموما به في معظم أعماله التي ربما تصل لذروتها في تحفته مع عاطف الطيب (البرئ) .
وهذا الفيلم تحديدا والذي تعرض للمنع فترة قبل السماح به بعد تغيير النهاية يجسد السيناريو والحوار التلغرافي الذي إشتهر به الكاتب ، وبمنتهي البراعة تلك العلاقة السياسية المعقدة بين المواطن البسيط والقهر، وبين البراءة والجريمة الكاملة التي يرتكبها من يفترض بهم حماية الناس من البطش، وهو فيلم ينتصر لفكرة ضرورة مواجهة الظلم حتي لو كان بطريقة دراماتيكية عنيفة وهي النهاية التي فجرت بدورها الكثير من الجدل .

ويتكرر الامر في فيلم (الغول) الذي اثار بدوره ضجة ومنع لفترة بعد ان شكلت له لجنة رقابية خاصة وقالت ان الفيلم يعد مظاهرة سياسية مضادة للنظام القائم في البلاد ومعاداة لنظام الحكم ومؤسساته القضائية ، ، ويشجع بل يدعو الى الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الاموال ، وتدور أحداث الفيلم حول قضية قتل متعمد لأحد الموسيقيين وإصابة راقصة بحادث سيارة ، والفاعل هو ابن أحد كبار الانفتاحيين الذي يحاول بأساليبه الملتوية ان يسقط التهمة عن إبنه لكي تحفظ القضية ضد مجهول . إلا ان الصحفي الذي صادف ان يكون شاهداً للحادث يصر على ان تأخذ القضية مجراها الطبيعي أمام القضاء . لذلك يقرر الوقوف ضد محاولات الانفتاحي الكبير والتصدي له ، لكنه لا يستطيع الصمود أمام هذا الغول وتياره الجارف ، فيصاب باليأس والاحباط ويقرر تنفيذ حكم الاعدام في هذا الغول نيابة عن المجتمع .
والحقيقة ان الفيلم كان إسقاطا موجها ضد مساوئ الإنفتاح الإقتصادي في سبعينات القرن الماضي لكن نهايته المثيرة للجدل لم تختلف كثيرا عن نهاية فيلم البرئ الذي ينتهي بتصويب الرصاص للقائمين علي معسكر الإعتقال ، فالحل الفردي بإستخدام السلاح ليس هو الحل ، ولاتكون مواجهة الفساد والقهر بالدعوة للعنف وهو ماأخذه عليه النقاد وإعتبروا ان الحلول التي يدعو لها وحيد حامد خرجت من الرومانسية الثورية في افلامه إلي المواجهة الدموية وهو ملايجوز في مبدع ينتقد عنف الإرهابيين .


وبعيدا عن العديد من الاعمال الأخري كمسلسلات وحيد ضد جماعة الإخوان في أجزائه أو حتي مناقشة الإرهاب في (العائلة واوان الورد) ، فإن مبدعنا ظل مخلصا لرومانسيته الإجتماعية حتي في أعتي مواقف مواجهته للفساد كما في (ملف في الاداب-أخر الرجال المحترمين-ديل السمكة-كل هذا الحب-أضحك الصورة تطلع حلوة- الاولة في الغرام) مثلما ظل مقاتلا مخلصا ايضا لمواجهة الفساد والتطرف في معظم أعماله ، ولذلك إستحق عن جدارة لقب الرومانسي المقاتل الذي جمعته الظروف بمخرجين ونجوم نجحوا في توصيل رسالته كعاطف الطيب وشريف عرفة وسمير سيف وعادل إمام ومحمود عبد العزيز ويسرا ونور الشريف وغيرهم ، بينما يظل حواره التلغرافي الجانح للفلسفة والرومانسية أحيانا وللمباشرة أحيانا أخري واحدا من أهم مايميز هذا الكاتب الذي بدا حياته عاشقا للسرد عبر القصة القصيرة قبل أن يصبح واحدا من ابرز فرسان الرواية السينمائية .

منة شلبي.. نوارة السينما المصرية



حصلت علي 8 جوائز في عام واحد عن فيلم واحد

هشام لاشين
فازت النجمة منة شلبي بـجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم نوارة وذلك في حفل ختام الدورة الحادية والعشرين من المهرجان القومي للسينما المصرية ، ليصل بذلك عدد الجوائز التي حصلت عليها عن هذا الفيلم فقط  إلى 8 جوائز علي مدار عام واحد فقط .
فقد سبق وفازت مؤخراً بنفس الجائزة في الدورة الثانية من جوائز السينما العربية وقبلها من مهرجان دبي السينمائي الدولي التي شهدت العرض العالمي الأول للفيلم، مهرجان مالمو للسينما العربية، مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية، مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط ومهرجان وهران السينمائي الدولي ، كما فازت منة بـجائزة النقاد كـأفضل ممثلة من مهرجان الفضائيات عن دورها في مسلسل المخرجة كاملة أبو ذكري، والمعروض موسم رمضان الماضي.
في أولى مشاهد فيلم "نوارة"، تقتحم الكادر فتاة بسيطة يبدو من ملابسها وطريقة مشيها ، وهيتحمل وعاءين خاويين، تخترق بهما شوارع وأزقة العشوائيات، باتجاه أحد صنابير المياه العمومية، حيث تصطف النساء لتملأ أوعية المياه النظيفة، أنها جزء من هذه البيئة التي من الواضح انها درستها جيدا وهي القادمة من حي المنيل الراقي في الواقع والذي لايتيح الفرصة للتعرف علي هذه النماذج، لكن منة شلبي الماهرة في محاكاة الشخصيات لعبتها ببساطة وإقتدار وكأنها عاشت عمرها كله بين أتون الفقر وضغط بيئة العشوائيات بكل متناقضاتها .

نتابع ،عبر الفيلم، نوارة في طريقها اليومي، تنتقل من مواصلة لأخري، تارة خلف "ميكروباص" أو "باص" يتراص فيه البشر بأعجوبة في رحلة تحايل يومية للعيش، قبل أن تعود في آخر النهار منهكة في "توك توك" يمكنه اختراق الحواري الضيقة الملتوية لتصل إلي منزلها البسيط، والذى تعيش فيه مع جدتها "توحة" البائسة التي تقترب من الانزواء، وتحلم بلقمة ورشفة ماء وكفن يسترها.
ونوارة كما يرسمها سيناريو الفيلم شخصية مخلصة بلا حدود للأسرة التي ائتمنتها علي بيتها، بل وهي تري بسذاجة مفرطة أنهم أناس طيبون لا يستحقون ما يحدث معهم .. وبعد أن تمنحها مخدومتها مبلغا مكافأة لزواجها قدره عشرون ألف جنيه، تأتي الشرطة لجرد الفيلا وتستولي من نوارة علي العشرون ألف جنيه اعتقادا أنها سرقتها لتسجن نوارة الوفية النبيلة المطحونة في رسالة لا يخطئها الفيلم ، وهنا نلمح واحدة من أروع المشاهد والإنفعالات لممثلة حين تكشف عن قمة الاحباط والإنهيار امام كل هذا الظلم رغم إخلاصها بما يجعلها بالفعل واحدة من الممثلات القديرات في غضون سنوات قليلة بعمر السينما التي لعبتها .

واذكر منة شلبي في بدايتها حين منحها رضوان الكاشف بطولة أول اعمالها في فيلمه ( الساحر) كانت تهمس لي في جنوب تونس حيث قدمت الفيلم هناك بعد رحيل رضوان الكاشف بانها مجنونة سينما وفن وأنها عشقت توجيهات المخرج وكانت كما تحب ان تكون عجينة طيعة ، وكان ماأعجب المخرج علي مايبدو أنها بتلقائيتها وعفوية نطقها للكلمات قادرة علي توصيل المعني المراد من الشخصية التي كانت تحمل بالصدفة إسم نور ، وكأن المسيرة بدأت مع نور والجوائز المبكرة وتقف اليوم علي أعتاب نوارة بعد مايقرب من 16 عاما من الخبرة ، وكان المراد ان تكون نور هي التعبير عن النزق والإندفاع بلا حدوود ومحاولة كسر قيود الاب الذي يخشي عليها أكثر مما ينبغي فتكون النتيجة إنحرافها الكامل .

ومرة أخري شتان بين نور المندفعة التي تطلق الكلمات وتفور بالإثارة الحسية كمهرة جامحة شابة ، وبين نوارة التي عصرتها التجربة وطحن عظامها الفقر بينما لازالت تحلم بالبيت والزواج ممن أحبت ، نور كانت شعاع من نار خرج من مارد لايعرف حدوود للتهور ، أما نوارة فهي الأكثر نضجا وحكمة والتي عصرتها الايام وعلمتها التجربة .
وبين نور ونوارة قدمت منة شلبي العديد من الأدوار الكوميدية والدرامية والأكشن والرومانسية كما في افلام( بحب السيما، وأحلى الأوقات، وهي فوضى، والماء والخضرة والوجه الحسن، وبعد الموقعة، والأصليين) ، وفي التليفزيون مسلسلات (حديث الصباح والمساء ، حارة اليهود ونيران صديقة وواحة الغروب، وحرب الجواسيس وغيرها)، وحصدت في المقابل العديد من الجوائز من مهرجانات دبي وتطوان ومالمو ووهران 2016 عن نوارة ، وقبلها جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) من   مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية 2006، وجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (عن العشق والهوى )من المهرجان القومي  للسينما المصرية 2006، كما منحها الجمهور لقب أفضل ممثلة في عدة استفتاءات أجرتها صحف وإذاعات مصرية وعربية.

وقد ظلت منة شلبي في مثل هذه الاعمال وغيرها نموذجا للبنت المصرية المتنوعة والقادرة علي تلوين أدائها وشكلها بما يتطلبه الدور ، فهي في ( العاصفة) و(انت عمري)  لخالد يوسف غيرها في (فيلم هندي) لمنير راضي ، و(بنات وسط البلد)  لمحمد خان ، كما انها في (كدة رضا واسف علي الإزعاج ) لخالد مرعي وأحمد نادر جلال  مختلفة عنها في فيلم مثل ( الاصليين) لمروان حامد ، وفي هذا الفيلم الاخير تحديدا قدمت منة شخصية بسيطة بمنتهي التعقيد ، و بحرفية فائقة مستعينة بملابس تشبه الشخصية المقسومة نصفين بين الجنة والنار والشهوة والعفة والموت والحياة وهو ماعبرت عنه بمهارة واضحة .

وفي كل الاحوال كانت منة هي البنت المصرية بكل بساطتها وتعقيدها وخلجاتها وطموحها ونزقها باشكال مختلفة وتنويعات متباينة بصحبة العديد من المخرجين الكبار كخان ويوسف شاهين ورضوان الكاشف ويسري نصر الله وخالد يوسف وغيرهم ، وهي رحلة مدهشة وخصبة رغم مرور 16 عاما فقط عليها لكنها كشفت إننا إزاء وهج لفنانة معجونة بموهبة التمثيل حتي النخاع ، وانها تستحق ان تكون بالفعل نوارة السينما المصرية والعربية بلا منازع 

الخميس، 12 أكتوبر 2017

محمد راضي..ورحل مخرج البطولات في شهر النصر





هشام لاشين                                                                           
من مفارقات القدر ان تأتي وفاة المخرج الكبير محمد راضي في شهر أكتوبر المتزامن مع إحتفالات النصر ، وهو المخرج الذي قدم واحدا من أهم الاعمال التي رصدت لفترة حرب الإستنزاف التي مهدت لنصر اكتوبر العظيم وهو فيلم (ابناء الصمت) عام 74 ناهيك عن افلام أخري في نفس الإتجاه وهي (العمر لحظة) عام 1978، بالإضافة إلى (وراء الشمس) الذي يدور حول المعتقلات السياسية عبر نسكة 67، وأخيرًا فيلمه "حائط البطولات" الذي انتهى من إخراجه عام 1999، لكنه بقى فى الأدراج ﻷكثر من 12 عامًا.
في ثلاثيته (ابناء الصمت-العمر لحظة-وراء الشمس) سوف نلمح ذلك القاسم المشترك لأسلوب مخرج كلاسيكي متجدد يعرف كيف يشحن المتفرج بقطع متوازي او متتالي بالفارق الكبير بين جبهتين متناقضتين إلي حد كبير في أكثر لحظات الوطن سخونة ليخرج من رحم هذا الصراع دراما واقعية إجتماعية مرهفة بالدلالات والتفاصيل المثيرة الأقرب للكابوسية .
 في فيلمه الاول المأخوذ عن رواية المبدع «مجيد طوبيا» ، يدفع أبناء الصمت حياتهم ليسددوا بها فواتير التفريط الداخلي، حيث يموت المصريون الحالمون بوطن حر مرفوع الرأس بينما يحيا الإعلامى الذى يبرر، والمناضل الحنجوري، والممثلة الضائعة في نزواتها، والمسئول الذى يستغل موقعه ليحقق الثراء ، ويعتبر من أفضل الأفلام التي صنعت من أجل حرب أكتوبر المجيدة،وانتجها ال راضي .
واحداث الفيلم تدور في  22 أكتوبر 1967، عندما أغرق المصريون المدمرة إيلات الإسرائيلية، وفى نفس الوقت جن جنون العدو فضرب مدينة الزيتية بالسويس، تبلغ حرب الاستنزاف ذروتها مع العدو الإسرائيلى، والجنود على حافة القناة، يهبطون خلف خطوط العدو فى سيناء، ملحمة من ملاحم النضال فى تاريخ الشعوب المكافحة، تستمر هذه العميات مع هؤلاء الجنود الفدائيين إلى يوم العبور فى 6 أكتور 1973 وتحطيم خط بارليف ، كل ذلك عبر تصاعد درامي وكاميرا لاهثة تتحرك فوق الجبهتين الداخلية والخارجية باسلوب متدفق يحفز التتبع ويرصد الصراع ومتناقضاته بتصوير مدهش .
اما فيلمه (العمر لحظة) والذي يلخص لكاتب الرواية يوسف السباعي مقولة “أن العمر لحظة.. قد يعيش الأنسان حياته كلها دون أن يجد تلك اللحظة التي تُجسد عمر بأكمله وقد لا يعيش إلا تلك اللحظة فتغنيه عن أي سنوات إضافية” .. وراضي يستغل هذا المعني من بين سطور احداث  نكسة 67 وهزيمة الجيش المصرى، عبر  قصة "نعمة" الصحفية المتزوجة من رئيس تحرير له نزواته الخاصة، وتنصب مقالاته على اليأس من الحرب ضد إسرائيل، إلا أن الزوجة تجاهلت ذلك واتجهت إلى العمل التطوعى وسافرت إلى جبهة القتال لرفع الروح المعنوية للضباط والجنود والكتابة عن حرب الاستنزاف، حيث تلتقى "محمود" ضابط الصاعقة ويقع الحب بينهما ثم تنشب حرب أكتوبر 73 وينتصر الجيش المصرى، وتنفصل "نعمة" عن زوجها وتتزوج "محمود" البطل العائد .
وراضي هنا كما في فيلمه السابق وفيلمه التالي يعتمد علي نفس المنهج في المقارنة والقطع بين جبهتي الصراع الداخلي والخارجي بينما يركز علي لحظات إكتشاف النفس والذات بحثا عن التحرر لتتحول سطور رواية الأديب الكبير عن فلسفة العمر اللحظة إلي دم ولحم وشخوص وافكار تتحرك ببساطة وإقناع علي الشاشة الكبيرة .
اما فيلمه الثالث في هذه المجموعة فهو (وراء الشمس) الذي ترصد أحداثه أعقاب الهزيمة العسكرية المروعة في يونيو 1967، حيث يصر أحد كبار قادة الجيش على إجراء تحقيق للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الهزيمة وهو الأمر الذي يؤدى إلى اغتياله بمعرفة قائد السجن الحربى ، وتستمر الاحداث التي ترصد عالم المعتقلات والتعذيب وكيف يمكن للقهر ان يتسبب في هزائم متتالية علي مستويات عديدة ، وبالتالي فهو فيلم مكمل للبحث في أجندة فساد جبهة داخلية لاتريد ان تعترف بأنها سبب رئيسي في اي هزيمة وتحديدا 67 .
وراضي هنا مفعم بالتفاصيل والحوارات الساخنة داخل جدران معتمة واجواء قهرية زنزانية تشي بنتائج محتمة مع إستخدام اسلوب (كافكا) في الكتابة الكابوسية وكأنه بدوره يكشف عن اسلوب شبيه في الأخراج يبرع فيه راضي من خلال هذا الفيلم كما في فيلميه الاخرين .
والحقيقة ان قيام محمد راضي بتاسيس جماعة السينما الجديدة التي كانت تهدف لخلق تيار جديد في السينما المصرية والتي ضمت في عضويتها شباب السينما المصرية انذاك والذين أصبحوا من ابرز صناعها فيما بعد كان له علاقة بذلك الاسلوب الذي حاول به كسر المالوف في السرد خصوصا في هه الثلاثية ، وقد قدم راضي افلاما اخري لها اشكال مختلفة بعد ذلك  مثل أمهات في المنفي والإنس والجن والهروب من الخانكة ، لكن يظل أسلوب راضي الكابوسي هو سمة السرد الاساسية التي جعلت لفلامه مذاقا خاصا جدا .
وقد حصد راضي عشرات الجوائز وشهادات التقدير عبر مشواره الفني ، وكنت محظوظا بالعمل كعضو لجنة تحكيم تحت رئاسته في مهرجان جمعية الفيلم السنوي قبل عامين حيث وجدته كعادته شخصية متواضعة رقيقة تنصت لراء الاخرين ولاتنفرد بالرأي أو تفرضه من موقع الرئاسة أو حتي الخبرة والتاريخ وهو أسلوب أخر تفرد به راضي بعيدا عن الكاميرا ليكشف عن تواضع الكبار وإحترامهم لألأاخرين حتي اخر لحظة من حياته .



السبت، 23 سبتمبر 2017

الخلية: رامبو المصري يسحق الإرهاب


هشام لاشين
الإمبراطور، الباشا، السلم والثعبان ، تيتو ، افلام شكلت مايمكن إعتباره ملامح واضحة ومميزة للمخرج الفلسطيني الاصل طارق العريان والذي تعلم مبادئ الإخراج  في الولايات المتحدة الأمريكية  ، مما أثر على أعماله التي تمزج السينما العربية مع اللمسة الغربية، وتقتبس مشاهد وإسلوب بحرفية واضحة ، وهو مانلمسه بوضوح حتي في إقتباس بعض افلامه من نظيرتها الأمريكية علي غرار (الوجه ذو الندبة لا باتشينو)  وغيرها ، بالإضافة لنقل عناصر الديكور والإضاءة الأمريكية التي تمنح إحساسا بالإثارة والغموض وعدم الواقعية أحيانا حتي لو كان الموضوع واقعي مثل فيلمه الاخير (الخلية) الذي يناقش قضايا الإرهاب المحلية وابعادها الدولية .
وفي فيلم الخلية الذي نحن بصدد قراءته اليوم تدور الاحداث حول ضابط عمليات خاصة اسمه (سيف)، يقوم بالتصدي لإرهابي اسمه (مروان)، وأثناء هذه العملية يستشهد ضابط العمليات الخاصة (عمرو) وهو في نفس الوقت صديقه المقرب ، كما يصاب (سيف) نتيجة إنفجار قنبلة بجانبه، فيقسم على ان يثأر لحق (عمرو)، إلا أن العمليات الخاصة ترفض رجوعه ليتحايل بطلب مساعدة ضابط آخر يعمل على نفس ملف هذا الإرهابي، وبالفعل ينجح في إقناعه .


وهنا نلمح الفارق بين"سيف" أو أحمد عز الذي يمتاز بالمهارة وحسن التدريب والذكاء والتهور في نفس الوقت، بينما زميله أو (محمد ممدوح) ضابط بحث وتحرى وجمع معلومات هادئ غير انفعالي، وهي مقارنة تذكرنا بفيلم مبكر أيضا للعريان وهو (الباشا ) وشخصية أحمد ذكي ضابط المباحث الذي يسعي للوصول لتطبيق القانون باسلوب عنيف وبقدر كبير من التهور في مواجهة إسلوب أخر لضابط أخر، وهي شخصيات مستوحاة بدورها من أفلام أمريكية شهيرة .
وفي الفيلم سوي نري إستخداما مميزا لأماكن شهيرة بمصر باسلوب لم يسبق ان رصدته الكاميرا السينمائية بهذا الشكل في افلام روائية بفضل مهارة مدير التصوير مازن المتجول، مثل مترو الانفاق وإستخدام منطقتي الازهر والحسين مع حشد الناس الحقيقين أو تصويرهم بكاميرات غير واضحة في أوقات الذروة مما يشيع الإحساس بالمصداقية والإثارة في فيلم يعتمد هذا الإسلوب مع إستخدام إضاءة مناسبة لهذا الطقس ، ومن المؤكد أن إستخدام الكاميرا المحمولة في المطاردات بإرتعاشاتها ومناسبتها لفيلم حركة قد ساهم في تكريس عنصر الإثارة ، حيث تم الاستعانة بحوالي 9 كاميرات لتصوير مشاهد الحركة في الفيلم، وهو رقم ضخم بالتأكيد بجانب استخدام كاميرا “اسبايدر” وهي الكاميرا التي تطير في الهواء لتصوير المشاهد من أعلى بوضعية كاملة وزاوية مختلفة


وطبعا الديكور كعنصر رئيسي هام في افلام العريان سواء أكان طبيعي أو مصنوع كما في إستخدام ميدان طلعت حرب ووسط البلد وبعض الشقق المطلة هناك او عمل ديكور مواز يشعرك أنه في نفس المكان ، و هناك إمكانيات كبيرة رصدت للفيلم بما فيها إستخدامه لطائرات مما ساهم في إضفاء ضخامة علي شكل الإنتاج .

كما يتميز الحوار الذي كتبه صلاح الجهيني ببعض الجمل الرنانة مثل الحوار الذي دار بين الضابط والإرهابي حيث يحدثه الاخير عن القاسم المشترك بين رجال الأمن والإرهابيين وان كلاهما من وجهة نظره مضحوك عليه من الكبار سواء بإسم الوطنية او الدين وان التجار واصحاب المصالح هم من يستفيدون من ذلك ، وهنا يرد عليه الضابط بأن الفارق كبير ،  فالأمر في حالة الضابط يتعلق بوطن وكرامة ،ولكنه مستحيل ان يفهم هذه المعاني .
إختيار الممثلين أيضا احد العناصر الهامة في سينما طارق العريان لذلك سنجده قد وظف ببراعم أبطاله في افلام سابقة كأحمد ذكي في الإمبراطور والباشا أو أحمد السقا في تيتو،وأمامه الضابط المنحرف خالد صالح ، وهنا أحمد عز الذي يقدم دورا مميزا لضابط متهور يسبح تحت جلده وبين خلجاته ثار وإنتقام ، في حين ان ملامحه الظاهرية تبدو شيئا أخر ، وهناك طبعا باقي الممثلين مثل سامر المصري ومحمد ممدوح وأمينة خليل وريهام عبد الغفور .
حتي موسيقي هشام نزيه كانت متناغمة مع أحداث الفيلم وتجمع بين التيمات الشرقية والغربية لتلائم إسلوب العريان الذي تعود علي هذا المزج حتي في إيقاع المونتاج ، وكذلك أغنية (شر وخير) التي قدمتها اصالة نصري مع محمود العسيلي لتترجم واقع الحال داخل فيلم يتصارع داخله الخير والشر .
ويبقي الشعور الذي لابد ان يلازم المشاهد أمام هذا الفيلم للعريان او افلام سابقة له مثل (الإميراطور والباشا) وهي انك أمام رامبو أمريكي يقهر أعدائه بمنتهي البساطة ويخرج من بين الموت سالما منتصرا كل مرة، وهو مانلمحه داخل الفيلم في قيادة السيارات والقفز من فوق الجسر لداخل سيارة نقل والنجاة من الموت في أعتي المعارك، وأن كان ذلك يمكن قبوله في سلسلة افلام رامبو فإن ذلك يأخذ الكثير من المصداقية والواقعية في فيلم مثل (الخلية) حتي لو كان بطلنا هنا يقهر الإرهاب، لأن المنطق والواقعية تقتضي أن يتم ذلك باسلوب أكثر مصداقية لتصل الرسالة للمتلقي بسهولة ويستطيع هضمها .