الثلاثاء، 17 فبراير 2015

قراءة سينمائية في رسائل الفيلم السياسي (مذبحة داعش)




               
بقلم- هشام لاشين
بإعتباري ناقدا سينمائيا فوق كوني كاتبا صحفيا أعتز بمهنتي احاول بقراءة سينمائية دقيقة التأمل في مشهد هذا الفيلم المروع الذي تم الإعداد له وإخراجه بركاكة فنية رغم وجود المؤثرات الصوتية والبصرية والمونتاج والخدع البصرية أيضا بهدف إيصال رسالة محددة مؤداها أن هذه هي صورة المسلمين الإرهابيين الذين تجب محاربتهم من كل القوي العالمية الحرة ناهيك عن إستنفار المنطقة للحرب من الداخل والقضاء عليها تماما .
وبداية أقول ان هذه ليست هي المرة الاولي التي تتصدي فيها امريكا او البنتاجون وأجهزة أخري لإنتاج أفلام تهدف لترويج افكار وصور بعينها فقد فعلتها عشرات المرات بعضها لترويج يد امريكا الطولي والسوبر الأمريكي القادر علي اي شيئ ، ومرات اخري بهدف خلط الأوراق علي طريقة افلام من نوعية (اغتيال كندي) او (جي اف كي) لأوليفر ستون ، واحيانا للإساءة للأغيار كما فعلت مع العرب والمسلمين او الهنود الحمر علي مدار سنوات طويلة  في مئات الافلام وكان الفكر والإنتاج الصهيوني خلف جزء كبير من هذه الاعمال.. كما تثبت الايام ان كل المعارك التي خاضتها أمريكا في الزمن المعاصر كانت تحمل أسماءا سينمائية هولييودية (كعاصفة الصحراء) حين الحرب علي العراق.. ومن هنا يصبح إستخدام مصطلح (الدولة الإسلامية) وإختصاره (هوليودديا) بإسم (داعش) ليصبح ترويج الافلام سهلا أمرا واردا ومنطقيا خصوصا وان المستفيد الوحيد من وشم (الدولة الاسلامية) بالإرهاب هم هؤلاء المهيمنين علي السياسة العالمية.. وهذه مقدمة ضرورية للدخول لقراءة فيلم (المذبحة للاقباط) الذي لاتتجاوز مدته الدقائق الخمس .



يبدأ الفيلم  بكادر ثابت يستهل به مشاهده يبقي لثواني مكتوبا عليه (بسم الله الرحمن الرحيم)  ليذرع منذ اللحظة الأولي إيحاءا بأن كل هذا الذبح التالي يبدأ بهذا المفهوم وتحت راية الله، تماما مثل ذبح الحيوانات علي الطريقة الإسلامية.. بعدها يستهل بلوجو الشركة المنتجة وهي هنا بإسم (الحياة) لاحظ دلالة الإسم المناقض لأهدافها وتصرفاتها التي تعتمد علي الموت بينما يدور اللوجو المرسوم بطريقة شعار قناة (الجزيرة) في خلفية صوت الماء بنفس اسلوب القناة الشهيرة ربما لهدف في نفس يعقوب.. ومع إستهلال اللقطات الأولي نري فوتو مونتاج علي شاطئ البحر المتوسط .. شاطئ يمكن ان يوجد في اي بلد به بحر متوسط حيث يساق المصريين بملابس الإعدام في لقطات متباعدة متقطعة لتظهر في أحجام أكبر بينما تعلو اصوات الأمواج لزوم الاثارة والتشويق ..ثم يرتفع صوت موسيقي تصويرية تمهد لحدوث كارثة لتنزل تترات الفيلم الهولييودي بعنوان (رسالة موقعة الي امة الصليب) بالعربية والإنجليزية باللون الابيض فيما تكون كلمة (BLOOD) باللون الأحمر ليعود بعدها مشهد الدفع باللذين سيتم اعدامهم مع تتر في أعلي يعلن عن مكان اللقطة وانه علي ساحل ولاية طرابلس علي البحر الأبيض المتوسط .. وتحديد المكان هنا انه طرابلس مجرد معلومة مطلوب توصيلها عبر الفيلم لكن لائيئ يؤكدها علي الإطلاق .
وهنا نتوقف اما هذا المشهد او اللقطة لنكتشف اولا إستخدام كلمة (ولاية) في العنوان وهو تعبير أقرب للذهنية الامريكية وكانها اصبحت ولاية إسلامية ناهيك عن إشاعة الخوف من أن ذلك ماهو إلا بداية الاستعداد للتمدد من شاطئ المتوسط  لولايات وبلاد أخري كايطاليا التي يأتي في مشهد في منتصف الفيلم مايؤكد علي ان فتحها هو القادم ، وهو مايفسر إستنفار إيطاليا تحديدا بعدها بساعات واعلانها الإستعدداد لتحالف اوربي إفريقي لدحر داعش ، وكلنا يعلم تخاذل اوربا وعدم حماسها للمشاركة في التحالف الدولي الذي دعت له أمريكا ضد داعش خلال الشهور الأخيرة ومثل هذه الدعوات داخل الفيلم تعجل بمخاوف أوروبا وتدفعها للمشاركة فورا وهو مابدأ يحدث بالفعل بعد ساعات قليلة من عرض فيلم (المجزرة ) الهولييودي .



في المشهد التالي يبدأ تركيع الضحايا المقيدين من الخلف بملابس الإعدام مع نزول تتر مكتوب عليه (رعايا الصليب من أتباع الكنيسة المصرية المحاربة) والذين يبدوا علي وجوههم الثبات وعدم الخوف ، وهو أمر يتنافي مع بشاعة الحدث وغموض المصير الذي ينتظر الضحايا علي يد هؤلاء الإرهابيين المعروفيين بدمويتهم وهو أيضا جزء من غموض وربما ركاكة الإخراج الذي يخفي علي مايبدو أمورا لم تتضح بعد خلف هذا الفيلم.. صوت الأمواج علي الشاطئ يستمر مع قيام الكاميرا بإستعراضا عرضيا للمجموعة التي سيتم إعدامها  في لقطة متوسطة لزوم مزيد من الترقب وتقديم أعدادهم التقريبية للمشاهد ، فالموت من أمامكم والبحر من خلفكم ولافكاك.. ونلاحظ هنا إستخدام كاميرا إحترافية مع وجود (كرين) يصعد باللقطة لأعلي ويهبط بحرية كاملة فنحن لسنا بصدد فيديو بكاميرا ديجتال محمولة ولكن معدات سينمائية كاملة وإضاءة محكمة ومونتاج مكثف وموسيقي ومكساج وكل شيئ يستلزمه الفيلم السينمائي الاحترافي .. بعدها يتسلل صوت بلغة إنجليزية يقول (الحمد لله القوي المتين) وهي ماتنزل بالترجمة العربية علي  الشاشة بينما اللقطة مثبتة علي البحر قبل أن تنزل (بالشاريوه) علي وجه المتحدث الملثم الذي يقول بالإنجليزية المترجمة للعربية علي الشاشة (والصلاة والسلام على من بعث بالسيف رحمة للعالمين) .. هنالايجب ان تمر الجملة مرور الكرام فهي تعكس في الذهنية الغربية مقولة الكثيرين من المستشرقين وأعداء الاسلام بأنه إنتشر بالسيف وليس بالموعظة الحسنة ، فهو خلط متعمد وتكريس للإسلاموفوبيا الذي بدأ يتخذ منحي جديد بذبح المسلمين كما حدث مؤخرا لأسرة بركات السورية في أمريكا..فتوقيت الفيلم أيضا غريب ومثير للتأمل .
ويستمر الحوار الغريب الذي يقول فيه المرتزقة المقنع انهم سبق وشاهدهم الجمهور وهم علي حدود الشام وسهل دابق  ينحرون رؤؤسا حملت وهم الصليب وانهم اليوم في جنوب روما بليبيا  يبعثون برسالة جديدة (لاحظ جنوب روما مرة ثانية) ولاحظ حكاية الجمهور.. قبل ان يرفع الملثم بسكين في وجه الكاميرا محذرا (ايها الصليبيون: ان الأمان لكم أماني) هنا تستوقفنا ملاحظة تحدث عنها عمرو اديب في برنامجه حيث يرتدي الرجل ساعة أنيقة في ذراعه اليسري في حين أن تنظيم “داعش” يحرم ارتداء الساعات باليد اليسرى، منعاً للتشبه بالكفار بحسب اعتقاداتهم .. وقد دفع ذلك اديب للتشكيك في هوية القائمين بالعملية وانهم ليسوا من داعش، ولكن ذلك يؤكد من وجهة نظرنا علي أنهم داعشيون مائة بالمائة من منطلق انهم ليسوا اصحاب قضية او هوية دينية حقيقية وإنما هم أدوات إستخدمتها أجهزة المخابرات الأمريكية لتشويه صورة الإسلام والإستفادة من ذلك في إعادة صياغة خريطة المنطقة، وامام ذلك تسقط اي قناعات او ملاحظات دينية، ويكفي انهم تحدثوا عن نشر الاسلام بالسيف وهو كلام لايصدر من متشددين دينيين مسلمين ولكنه صدر ممن يشككون في الاسلام برمته، فملاحظة الساعة هنا تؤكد لادينية داعش مثلما تؤكد حقيقة الأجهزة التي تقف خلفها



ونعود للملثم الذي يواصل الحديث  عن  عدم توقف اوزار الحرب حتي نزول عيسي عليه السلام  ليكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفرض الجزية قبل ان يردف (بأن البحر الذي غيبتم فيه الشيخ اسامة بن لادن تقبله الله ، اقسمنا بالله لتشوينه بدمائكم) وهنا نتوقف مرة أخري عن الخلط المتعمد لأبطال الفيلم التي تطل منه رائحة الخيانة والمخابراتية فهل الذي قتل اسامة بن لادن هم المسيحيون المصريون الذين يتم ذبحهم في هذا الفيلم أم أمريكا، فهل يصفي داعش مثلا حساباته مع أمريكا عبر المصريين وقبله الطيار الاردني بالإضافة للسوريين والعراقيين، ثم اذا كان الأمر ثأرا لأسامة بن لادن( تقبله الله) كمل يقول الممثل فهل يعني ذلك أن داعش فرع لتنظيم القاعدة مثلا؟ واذا كان الامر كذلك فلماذا لايعلن موقفه؟ أنه درب أخر من خلط الاوراق وتوزيع التهم بهدف الإساءة للمسلمين عموما  فمن المستفيد من ذلك؟
وقبل ان يعود الفيلم لإستعراض الضحايا وخلفهم التنظيم بملابسه السوداء مع صوت البحر ولقطة جانبية لواحد من  جتود داعش في قطيع الكومبارس، يمسك بأحد الضحايا بيد ويسبح باليد الأخري بمسبحة معلقة بفوهة بندقية بكل مايحمل المشهد من دلالة واضحة ، تتصاعد الموسيقي ونري مشهدا للذبح  من لقطة بعيدة ملتبسة لانعلم مدي الحقيقة من الخدعة فيها قبل ان نري رجال ينكفئون علي رؤؤسهم وهم يقولون يارب لنري البحر في النهاية وقد إختلط بلون الدم.


وهنا يثور التساؤل للمرة الأخيرة: لماذا الذبح وليس البندقية التي تظهر علي أكتاف  الممثلين المرتزقة طول الوقت؟ لماذا السكين؟ هل هو نوع من إثارة الذعر الزائد؟ ام هو لزوم التشويق السينمائي؟ أم أن خلف الامر صورة محددة يراد رسمها للإسلاميين عموما؟ ام كل هذه الاسباب مجتمعة؟! ام انه  الفيلم كله مجرد خدع بصرية ربما تكشف الايام  حقيقتها؟!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق