الخميس، 12 أكتوبر 2017

محمد راضي..ورحل مخرج البطولات في شهر النصر





هشام لاشين                                                                           
من مفارقات القدر ان تأتي وفاة المخرج الكبير محمد راضي في شهر أكتوبر المتزامن مع إحتفالات النصر ، وهو المخرج الذي قدم واحدا من أهم الاعمال التي رصدت لفترة حرب الإستنزاف التي مهدت لنصر اكتوبر العظيم وهو فيلم (ابناء الصمت) عام 74 ناهيك عن افلام أخري في نفس الإتجاه وهي (العمر لحظة) عام 1978، بالإضافة إلى (وراء الشمس) الذي يدور حول المعتقلات السياسية عبر نسكة 67، وأخيرًا فيلمه "حائط البطولات" الذي انتهى من إخراجه عام 1999، لكنه بقى فى الأدراج ﻷكثر من 12 عامًا.
في ثلاثيته (ابناء الصمت-العمر لحظة-وراء الشمس) سوف نلمح ذلك القاسم المشترك لأسلوب مخرج كلاسيكي متجدد يعرف كيف يشحن المتفرج بقطع متوازي او متتالي بالفارق الكبير بين جبهتين متناقضتين إلي حد كبير في أكثر لحظات الوطن سخونة ليخرج من رحم هذا الصراع دراما واقعية إجتماعية مرهفة بالدلالات والتفاصيل المثيرة الأقرب للكابوسية .
 في فيلمه الاول المأخوذ عن رواية المبدع «مجيد طوبيا» ، يدفع أبناء الصمت حياتهم ليسددوا بها فواتير التفريط الداخلي، حيث يموت المصريون الحالمون بوطن حر مرفوع الرأس بينما يحيا الإعلامى الذى يبرر، والمناضل الحنجوري، والممثلة الضائعة في نزواتها، والمسئول الذى يستغل موقعه ليحقق الثراء ، ويعتبر من أفضل الأفلام التي صنعت من أجل حرب أكتوبر المجيدة،وانتجها ال راضي .
واحداث الفيلم تدور في  22 أكتوبر 1967، عندما أغرق المصريون المدمرة إيلات الإسرائيلية، وفى نفس الوقت جن جنون العدو فضرب مدينة الزيتية بالسويس، تبلغ حرب الاستنزاف ذروتها مع العدو الإسرائيلى، والجنود على حافة القناة، يهبطون خلف خطوط العدو فى سيناء، ملحمة من ملاحم النضال فى تاريخ الشعوب المكافحة، تستمر هذه العميات مع هؤلاء الجنود الفدائيين إلى يوم العبور فى 6 أكتور 1973 وتحطيم خط بارليف ، كل ذلك عبر تصاعد درامي وكاميرا لاهثة تتحرك فوق الجبهتين الداخلية والخارجية باسلوب متدفق يحفز التتبع ويرصد الصراع ومتناقضاته بتصوير مدهش .
اما فيلمه (العمر لحظة) والذي يلخص لكاتب الرواية يوسف السباعي مقولة “أن العمر لحظة.. قد يعيش الأنسان حياته كلها دون أن يجد تلك اللحظة التي تُجسد عمر بأكمله وقد لا يعيش إلا تلك اللحظة فتغنيه عن أي سنوات إضافية” .. وراضي يستغل هذا المعني من بين سطور احداث  نكسة 67 وهزيمة الجيش المصرى، عبر  قصة "نعمة" الصحفية المتزوجة من رئيس تحرير له نزواته الخاصة، وتنصب مقالاته على اليأس من الحرب ضد إسرائيل، إلا أن الزوجة تجاهلت ذلك واتجهت إلى العمل التطوعى وسافرت إلى جبهة القتال لرفع الروح المعنوية للضباط والجنود والكتابة عن حرب الاستنزاف، حيث تلتقى "محمود" ضابط الصاعقة ويقع الحب بينهما ثم تنشب حرب أكتوبر 73 وينتصر الجيش المصرى، وتنفصل "نعمة" عن زوجها وتتزوج "محمود" البطل العائد .
وراضي هنا كما في فيلمه السابق وفيلمه التالي يعتمد علي نفس المنهج في المقارنة والقطع بين جبهتي الصراع الداخلي والخارجي بينما يركز علي لحظات إكتشاف النفس والذات بحثا عن التحرر لتتحول سطور رواية الأديب الكبير عن فلسفة العمر اللحظة إلي دم ولحم وشخوص وافكار تتحرك ببساطة وإقناع علي الشاشة الكبيرة .
اما فيلمه الثالث في هذه المجموعة فهو (وراء الشمس) الذي ترصد أحداثه أعقاب الهزيمة العسكرية المروعة في يونيو 1967، حيث يصر أحد كبار قادة الجيش على إجراء تحقيق للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الهزيمة وهو الأمر الذي يؤدى إلى اغتياله بمعرفة قائد السجن الحربى ، وتستمر الاحداث التي ترصد عالم المعتقلات والتعذيب وكيف يمكن للقهر ان يتسبب في هزائم متتالية علي مستويات عديدة ، وبالتالي فهو فيلم مكمل للبحث في أجندة فساد جبهة داخلية لاتريد ان تعترف بأنها سبب رئيسي في اي هزيمة وتحديدا 67 .
وراضي هنا مفعم بالتفاصيل والحوارات الساخنة داخل جدران معتمة واجواء قهرية زنزانية تشي بنتائج محتمة مع إستخدام اسلوب (كافكا) في الكتابة الكابوسية وكأنه بدوره يكشف عن اسلوب شبيه في الأخراج يبرع فيه راضي من خلال هذا الفيلم كما في فيلميه الاخرين .
والحقيقة ان قيام محمد راضي بتاسيس جماعة السينما الجديدة التي كانت تهدف لخلق تيار جديد في السينما المصرية والتي ضمت في عضويتها شباب السينما المصرية انذاك والذين أصبحوا من ابرز صناعها فيما بعد كان له علاقة بذلك الاسلوب الذي حاول به كسر المالوف في السرد خصوصا في هه الثلاثية ، وقد قدم راضي افلاما اخري لها اشكال مختلفة بعد ذلك  مثل أمهات في المنفي والإنس والجن والهروب من الخانكة ، لكن يظل أسلوب راضي الكابوسي هو سمة السرد الاساسية التي جعلت لفلامه مذاقا خاصا جدا .
وقد حصد راضي عشرات الجوائز وشهادات التقدير عبر مشواره الفني ، وكنت محظوظا بالعمل كعضو لجنة تحكيم تحت رئاسته في مهرجان جمعية الفيلم السنوي قبل عامين حيث وجدته كعادته شخصية متواضعة رقيقة تنصت لراء الاخرين ولاتنفرد بالرأي أو تفرضه من موقع الرئاسة أو حتي الخبرة والتاريخ وهو أسلوب أخر تفرد به راضي بعيدا عن الكاميرا ليكشف عن تواضع الكبار وإحترامهم لألأاخرين حتي اخر لحظة من حياته .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق