الأحد، 12 نوفمبر 2017

شادية ترحل بعد رحلة مدهشة


هشام لاشين
رحلت شادية الحنجرة الذهبية والاداء الدافئ الراقي، والإنسانة الرقيقة والنببيلة بعد رحلة مرض وتبتل ، وحضور طاغي طول الوقت رغم الغعتزال.. وهذا هو الغياب الثاني للفنانة شادية عن تكريمها بمهرجان القاهرة السينمائي.. في المرة الاولي كرمت وإعتزلت بسبب الإعتزال، والثانية أهداها المهرجان دورته وقبل ان يختتم فاعلياته رحلت لتترك خلفها حسرة كبيرة وفن عظيم وسيرة عطرة .

في عام 1994 كلفني الراحل الكبير سعد الدين وهبة بعمل كتاب عن الفنانة شادية وذلك في إطار فكرة تكريمها بمهرجان القاهرة السينمائي، وكنت في نفس الوقت أعد بالفعل لدراسة بخصوص هذه الفنانة التي قررت الاعتزال في صمت دون ان تتنكر لأعمالها الفنية وهو مايحسب لها بالفعل في فترة كانت بوادر التبرأ للفن قد بدأت تلوح في الافق، وتحدث معها سعد وهبة الذي قدم لها عدة سيناريوهات أفلام سابقة مثل (مراتي مدير عام) واحد من أنجح افلامها وأكثرهم تقدمية وإنصافا لقضية عمل المرأة .. المهم انها رحبت وحدثتني بالفعل من مكتبه وقلت لها انه بمجرد الإنتهاء سارسل ماكتبته لها علي شقتها بميدان كوبري الجامعة بالجيزة امام حديقة الحيوان وهو ماحدث بالفعل واعجبها جدا وقتها وقالت للراحل بالحرف الواحد دراسة ممتازة وانا سعيدة بها وشكرته وابلغته بتوصيل الشكر لي ،كما وافقت شادية علي حضور المهرجان وان كانت قد تراجعت بعدها في اللحظات الاخيرة ربما بناءا علي فتوي بأنها اعتزلت وعليها عدم الظهور ويكفي طبع الكتاب وتوزيعه بالمهرجان .
لازلت اذكر هذا الموقف والكتاب الذي مر عليه الان مايقرب من 23 سنة تقريبا ربما مع ظهور أخبار غير بريئة اشاعت انها بالعناية المركزة وانها في حالة خطيرة وهو مانفاه المحيطون بها من أقرب صديقاتها بالإضافة لنقيب الممثلين ، بل وهو ماتأكدت منه بنفسي والحمد الله الذي اطال لنا في عمر هذا الفنانة التي إحتفظت طيلة سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بلقب (نجمة الشباك الأولي)، وقد ظلت شادية تحتفظ برصيد حب وعشق الناس لها ولفنها لسنوات طويلة بعد ذلك ، وحتي بعد إعتزالها في هدوء ودون تصريحات تشجب او تتنكر لتاريخها الفني ، ولايرجع ذلك إلي أخلاقيات شادية فحسب ولكنه يرجع ايضا الي وعيها بقيمة وروعة ماقدمته للساحة الفنية دون تبذل او إسفاف .
لقد إحترمت شادية جماهيرها العريضة مثلما أمتعنهم بتلقائيتها وعفويتها التي كانت أحد أسرار دخولها للقلوب من أوسع الابواب ، ولذلك إحترموها ورفعوها علي الاعناق ، كما تهافت علي العمل معها كبار النجوم والمخرجين ، فكانت بمثابة الجواد الرابح لأي عمل تشارك فيه لدرجة ان اعتبر البعض ان تاشيرة النجاح لابد ان تاتي عبر شادية كما فعل المطرب والمخرج اللبناني محمد سلمان عندما جاء الي مصر وكان جواز مروره للشهرة اول فيلم قدمه معها وهو (قدم الخير) فكانت قدم الخير عليه فعلا ، وتكرر الامر مع كارم محمود في (معلهش يازهر) و(لسانك حصانك) .
وعندما تحول الملحن منير مراد للطرب واراد دخول السينما انطلق فورا ليطلب من شادية مشاركته بطولة فيلميه (انا وحبيبي) و(نهارك سعيد) ولم يشذ من هذه القاعدة احد حتي عبد الحليم حافظ بكل جماهيريته في الغناء وقتها حيث كانت بطاقة تعارفه السينمائية الاولي فيلما مع شادية هو (لحن الوفاء) ، وعندما ظهر المطرب كمال حسني ضمن تأشيرة النجاح من خلال شادية بمشاركتها فيلم (ربيع الحب) عام 1956 ، ووصل الامر بنجم لامع مثل كمال الشناوي ان قدم معهااكثر من 30 فيلما ليكونا بذلك اشهر ثنائي عرفته السينما العربيةعلي مدار تاريخها، وهو ماتكرر بنسب اخري بعد ذلك مع شكري سرحان وعماد حمدي وصلاح ذو الفقار ومحسن سرحان ورشدي اباظة .
شادية إذن كانت تميمة حظ هذا الفن المتميز المترع بطلتها الشقية وحكمتها البليغة ونظراتها المؤثرة وادائها المتنوع والواثق لأقصي حد ، حتي وهي تقدم بطولة أول وأخر مسرحية لها (رية وسكينة) حققت نجاحا ساحقا وكانت وش السعد علي فنان مثل احمد بدير، وقد نالت العديد من الالقاب مثل (صوت مصر) كمطربة قدمت العديد من الاغاني الوطنية المتميزة والتي كانت يقدم بعضها في ميدان التحرير ايام 25 يناير حيث كانت (ياحبيبتي يامصر) هي النشيد الوطني الجامع المانع لجمهور الميدان في هذه الفترة ، وربما كان بدوره تميمة حظ من نوع أخر .

وقد  اطلق عليها القاب مثل (نجمة الشباك الاولي) في الخمسينات، (ودلوعة السينما المصرية) في المرحلة الاولي من حياتها الفنية ، كما تجاوز رصيدها السينمائي المائة فيلم بينما تجاوز رصيدها الغنائي السبعمائة أغنية ، وكان فيلمها (المرأة المجهولة) هو اول فيلم عربي يعرض بنجاح في الإتحاد السوفيتي السابق وعواصم اوربا الشرقية وحقق وقتها إيرادات تزيد عن المليون جنيها وهو بمقاييس سعر اليوم يساوي حوالي مليار جنيه مصري ، كما عرض لها فيلم (شيء من الخوف) عرضا جماهيريا بايابان وحقق نجاحا كبيرا ، وكانت قد قدمت قبلها فيلما يابانيا بعنوان (جريمة علي ضفاف النيل) امام النجم الياباني وقتها (يوشيرو إيشبهارا) .

شادية أيضا غنت امام الكثير من الملوك والرؤساء كاملك فاروق والملك حسين والملك الحسن الثاني والرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر والسادات وحسني مبارك ، ورغم لك فهي نجمة الجمهور الاولي لتجمع بين نجومية الشعب والحكام ، ولتصبح حالة فريدة من الحب والتميز يحتاج لصفحات وصفحات من البحث والتحليل في سر هذه التميمة الرقيقة التي ساهمت في تكريس جزء مهم من تيار السينما الغنائية والروائية الجادة في مصر والعالم العربي ، كما ساهمت في تشكيل جانب كبير من حسه ووجدانه الوطني والعاطفي قبل ان تنسحب في هدوء المهذبين الواعيين لتعلن انه حان وقت التوقف بعد ان تركت إبداعها لسنوات طويلة ليكون ملهما لمن بعدها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق