الجمعة، 27 أكتوبر 2017

منة شلبي.. نوارة السينما المصرية



حصلت علي 8 جوائز في عام واحد عن فيلم واحد

هشام لاشين
فازت النجمة منة شلبي بـجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم نوارة وذلك في حفل ختام الدورة الحادية والعشرين من المهرجان القومي للسينما المصرية ، ليصل بذلك عدد الجوائز التي حصلت عليها عن هذا الفيلم فقط  إلى 8 جوائز علي مدار عام واحد فقط .
فقد سبق وفازت مؤخراً بنفس الجائزة في الدورة الثانية من جوائز السينما العربية وقبلها من مهرجان دبي السينمائي الدولي التي شهدت العرض العالمي الأول للفيلم، مهرجان مالمو للسينما العربية، مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية، مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط ومهرجان وهران السينمائي الدولي ، كما فازت منة بـجائزة النقاد كـأفضل ممثلة من مهرجان الفضائيات عن دورها في مسلسل المخرجة كاملة أبو ذكري، والمعروض موسم رمضان الماضي.
في أولى مشاهد فيلم "نوارة"، تقتحم الكادر فتاة بسيطة يبدو من ملابسها وطريقة مشيها ، وهيتحمل وعاءين خاويين، تخترق بهما شوارع وأزقة العشوائيات، باتجاه أحد صنابير المياه العمومية، حيث تصطف النساء لتملأ أوعية المياه النظيفة، أنها جزء من هذه البيئة التي من الواضح انها درستها جيدا وهي القادمة من حي المنيل الراقي في الواقع والذي لايتيح الفرصة للتعرف علي هذه النماذج، لكن منة شلبي الماهرة في محاكاة الشخصيات لعبتها ببساطة وإقتدار وكأنها عاشت عمرها كله بين أتون الفقر وضغط بيئة العشوائيات بكل متناقضاتها .

نتابع ،عبر الفيلم، نوارة في طريقها اليومي، تنتقل من مواصلة لأخري، تارة خلف "ميكروباص" أو "باص" يتراص فيه البشر بأعجوبة في رحلة تحايل يومية للعيش، قبل أن تعود في آخر النهار منهكة في "توك توك" يمكنه اختراق الحواري الضيقة الملتوية لتصل إلي منزلها البسيط، والذى تعيش فيه مع جدتها "توحة" البائسة التي تقترب من الانزواء، وتحلم بلقمة ورشفة ماء وكفن يسترها.
ونوارة كما يرسمها سيناريو الفيلم شخصية مخلصة بلا حدود للأسرة التي ائتمنتها علي بيتها، بل وهي تري بسذاجة مفرطة أنهم أناس طيبون لا يستحقون ما يحدث معهم .. وبعد أن تمنحها مخدومتها مبلغا مكافأة لزواجها قدره عشرون ألف جنيه، تأتي الشرطة لجرد الفيلا وتستولي من نوارة علي العشرون ألف جنيه اعتقادا أنها سرقتها لتسجن نوارة الوفية النبيلة المطحونة في رسالة لا يخطئها الفيلم ، وهنا نلمح واحدة من أروع المشاهد والإنفعالات لممثلة حين تكشف عن قمة الاحباط والإنهيار امام كل هذا الظلم رغم إخلاصها بما يجعلها بالفعل واحدة من الممثلات القديرات في غضون سنوات قليلة بعمر السينما التي لعبتها .

واذكر منة شلبي في بدايتها حين منحها رضوان الكاشف بطولة أول اعمالها في فيلمه ( الساحر) كانت تهمس لي في جنوب تونس حيث قدمت الفيلم هناك بعد رحيل رضوان الكاشف بانها مجنونة سينما وفن وأنها عشقت توجيهات المخرج وكانت كما تحب ان تكون عجينة طيعة ، وكان ماأعجب المخرج علي مايبدو أنها بتلقائيتها وعفوية نطقها للكلمات قادرة علي توصيل المعني المراد من الشخصية التي كانت تحمل بالصدفة إسم نور ، وكأن المسيرة بدأت مع نور والجوائز المبكرة وتقف اليوم علي أعتاب نوارة بعد مايقرب من 16 عاما من الخبرة ، وكان المراد ان تكون نور هي التعبير عن النزق والإندفاع بلا حدوود ومحاولة كسر قيود الاب الذي يخشي عليها أكثر مما ينبغي فتكون النتيجة إنحرافها الكامل .

ومرة أخري شتان بين نور المندفعة التي تطلق الكلمات وتفور بالإثارة الحسية كمهرة جامحة شابة ، وبين نوارة التي عصرتها التجربة وطحن عظامها الفقر بينما لازالت تحلم بالبيت والزواج ممن أحبت ، نور كانت شعاع من نار خرج من مارد لايعرف حدوود للتهور ، أما نوارة فهي الأكثر نضجا وحكمة والتي عصرتها الايام وعلمتها التجربة .
وبين نور ونوارة قدمت منة شلبي العديد من الأدوار الكوميدية والدرامية والأكشن والرومانسية كما في افلام( بحب السيما، وأحلى الأوقات، وهي فوضى، والماء والخضرة والوجه الحسن، وبعد الموقعة، والأصليين) ، وفي التليفزيون مسلسلات (حديث الصباح والمساء ، حارة اليهود ونيران صديقة وواحة الغروب، وحرب الجواسيس وغيرها)، وحصدت في المقابل العديد من الجوائز من مهرجانات دبي وتطوان ومالمو ووهران 2016 عن نوارة ، وقبلها جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) من   مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية 2006، وجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (عن العشق والهوى )من المهرجان القومي  للسينما المصرية 2006، كما منحها الجمهور لقب أفضل ممثلة في عدة استفتاءات أجرتها صحف وإذاعات مصرية وعربية.

وقد ظلت منة شلبي في مثل هذه الاعمال وغيرها نموذجا للبنت المصرية المتنوعة والقادرة علي تلوين أدائها وشكلها بما يتطلبه الدور ، فهي في ( العاصفة) و(انت عمري)  لخالد يوسف غيرها في (فيلم هندي) لمنير راضي ، و(بنات وسط البلد)  لمحمد خان ، كما انها في (كدة رضا واسف علي الإزعاج ) لخالد مرعي وأحمد نادر جلال  مختلفة عنها في فيلم مثل ( الاصليين) لمروان حامد ، وفي هذا الفيلم الاخير تحديدا قدمت منة شخصية بسيطة بمنتهي التعقيد ، و بحرفية فائقة مستعينة بملابس تشبه الشخصية المقسومة نصفين بين الجنة والنار والشهوة والعفة والموت والحياة وهو ماعبرت عنه بمهارة واضحة .

وفي كل الاحوال كانت منة هي البنت المصرية بكل بساطتها وتعقيدها وخلجاتها وطموحها ونزقها باشكال مختلفة وتنويعات متباينة بصحبة العديد من المخرجين الكبار كخان ويوسف شاهين ورضوان الكاشف ويسري نصر الله وخالد يوسف وغيرهم ، وهي رحلة مدهشة وخصبة رغم مرور 16 عاما فقط عليها لكنها كشفت إننا إزاء وهج لفنانة معجونة بموهبة التمثيل حتي النخاع ، وانها تستحق ان تكون بالفعل نوارة السينما المصرية والعربية بلا منازع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق