السبت، 19 نوفمبر 2016

مهرجان القاهرة السينمائي.. ونمنمة الثقافة




بقلم/ هشام لاشين
عندما يصل الأمر إلى أن تكون سما المصري هي أشهر نجمة في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد 38 عاما كاملة من البناء في هذا الصرح، فلا معنى لذلك سوى أن الانهيار قد وصل إلى كل شيء في هذا البلد المنكوب، والذي أصابته النمنمة والتراجع والتقزيم على كل المستويات.

المهرجان الذي كان يترأسه ذات يوم عملاق بحجم سعد الدين وهبة وكان قبلة النجوم الكبار ووجهة العظماء لم يجد من يدعوه لافتتاحه سوى سما المصري أشهر راقصة في عالم الكليبات المثيرة لتكون هي نجمته، وليصبح خبر وفيديوهات سقوطها على الأرض بفستانها المثير ومحاولة لملمة صدرها الذي كاد ينكشف بالكامل إثر السقوط هو الخبر الأهم في افتتاح المهرجان الأشهر والأعرق على مستوى الشرق الأوسط.

(2)
أما الفوضى فكانت هي البطل الثاني لحفل الافتتاح بدءا من فوضى المرور التي أحاطت بمنطقة الأوبرا وتسببت في تأخير المدعويين لأكثر من ساعة كاملة وصولا للوصول المتأخر لوزير الثقافة بالإضافة لتوجيه دعوات مختلفة الألوان لوسائل الإعلام، كل حسب مدى علاقته بمسئول المركز الصحفي الذي ينفرد بالدعوات ويعتقد أنه يعمل في عزبة خاصة، فوجد البعض نفسه يجلس في البلكون بينما يجلس بعض الصغار في الصفوف الأولى، ناهيك عن عدم صدور بعض الكارنيهات حتى الآن، وربما لآخر المهرجان كما حدث في الأعوام الأخيرة.

هذه الفوضى التي صاحبت المهرجان في سنواته الأخيرة امتدت هذا العام للجان التحكيم، فلم يكن أشباه النجوم فقط هم أبطال الظهور في هذه الليلة، بل كان أنصافهم أيضا موجودين في لجان التحكيم التي يهيمن على اختيارها هي الأخرى المجاملات والحسابات الغامضة، فنسمع أسماء مثل أروى جودة وصبا مبارك، ومع كامل الاحترام لهذين الاسمين إلا أن تاريخهما السينمائي يكاد لا يُذكر، وقد جرى العرف أن يتم اختيار أسماء ذات خلفية وخبرة كبيرة، في حين يتجاهل المهرجان أسماء نجوم ومخرجين ونقاد كبار في هذه اللجنة مثل سمير سيف ومحمد راضي وخيري بشارة وداوود عبد السيد وانعام محمد على، محمد النجار وطارق العريان وأحمد يحيى، ويحي الفخراني ومحمود حميدة وسمير فريد وفاروق الفيشاوي وخالد أبو النجا، ومصطفى محرم ووحيد حامد ونبيلة عبيد.. والقائمة تتسع للعشرات من النجوم الكبار الأحياء والحمد لله.

والسؤال هنا كيف يتسنى لفنانة قدمت بضع أدوار للسينما أن تحكم على عمل سينمائي في مهرجان دولي، وكم عدد الأفلام التي شاهدت في حياتها حتى يتسنى لها هذا الحس التذوقي لفرز الأعمال من النواحي المختلفة والتي يكون لها بصمة تميزها عن أعمال عادية ومنتشرة على الساحة في كل العالم.

(3)
لقد كان لنا تحفظات على إدارة سمير فريد للدورة قبل الماضية لكنها لم تصل لحد أن يكون أرباع النجوم هم المهيمنين على المشهد السينمائي في هذا المهرجان العريق، ذلك المهرجان الذي كنت أجلس فيه منذ عشرين عاما داخل لجنة المشاهدة واختيار أفلامه بين عمالقة من أمثال كمال الشيخ وصلاح أبو سيف وخيرية البشلاوي وأحمد عبد الوهاب وفوزية مهران، فصار يُختار بأسلوب الشللية في كل أقسامه تقريبا ما يتماهى مع توجهاته الفرانكفونية في حين يستبعد التيارات الأخرى ولو على سبيل التنويع، كما يتجاهل خبرات كبيرة كانت ذات يوم ملأ السمع والبصر حتى في دعواته كما شاهدنا في الافتتاح.

كنا نتمنى أن نشاهد على الأقل خيري بشارة أو حتى نادية الجندي ويسري نصر الله لذر الرماد في العيون، فذلك هو مكانهم الطبيعي والمنطقي وليس راقصة درجة عاشرة لمجرد أنها كانت تفرش الملاية للإخوان والسلفيين، فنحن لسنا بصدد مهرجان لتصفية الحسابات وفرد الملاءات، ويكفي تكريسه لنوع معين من الأفلام كفيلم الافتتاح رغم تواضع مستواه الشديد وتقديمه صورة بائسة ومنفرة للمجتمع ككل، لمجرد أنه يتبنى وجهة نظر تهاجم التشدد وتدعو للتحرر من الثوابت الأخلاقية والدينية، أو أنه يحمل عنوان (يوم للستات)!

(4)
ومن المؤكد أن سما المصري أو إيناس الدغيدي التي كرمها المهرجان القومي للدولة مؤخرا ليسا هما البديل، بل ما أسوأ هذا البديل الذي يكرس دعوات الفحش، وقد قرأت أن رئيس الرقابة على المصنفات قد سمح بفيلم (زنا المحارم) للسيدة المخرجة لتكتمل منظومة تحطيم تابوهات المجتمع، فهل هذه هي الثقافة المطلوبة في عهد الوزير الحالي الذي لا يترك مناسبة إلا ويذهب للتصوير حتى لو كان افتتاح مكتبة لبيع الأوراق والأدوات المدرسية ليظهر أمام كاميرات التصوير ويأخذ بوزات طول الوقت؟ هل المطلوب نمنمة الثقافة والنزول بها لمستوى المقالات الصحفية الاستهلاكية بينما يختار رجاله من بين ما يرشح له من أجهزة أمن الدولة وكبار البصاصين؟ وهل يمكن أن ينصلح حالة الثقافة بالمخبرين والوشاة وأراجوزات المرحلة على كل لون؟

(5)
أذكر أن الراحل سعد الدين وهبة قد قاتل كثيرا لاعتماد هذا المهرجان دوليا بعد سحب الصفة منه في أواخر السبعينيات، وكان موقفه الوطني وحسه الفني متجاوزا لوقته، وظل صامدا لسنوات طويلة بعد استعادة صفته الدولية، وشاهدنا عشرات الأفلام المهمة من العالم أجمع، وكان المهرجان فرصة لاكتشاف أفلام مهمة رغم أنه يأتي في آخر العام وآخر المهرجانات الدولية.

لكن الحال تبدل كثيرا ولم يعد مستوى الأفلام هو المعيار، وصارت الشللية والتوجهات تحكم المهرجان الأعرق في الشرق الأوسط، كما تسللت الفوضى لكل أركانه، في الوقت التي صعدت فيه مهرجانات وليدة بالخليج وبدأت تزاحم بقوة وتنفرد بالعروض الأولى، ونحن لازلنا نردد كلمات جوفاء عن الريادة والعراقة، مع أن الشعارات لا تكفي وحدها للنهوض بأمة صارت ثقافة النمنمة تحكم كل ذرة في كيانها!

رابط المقال الاصلي 
 http://www.masralarabia.com/المقالات/1011-هشام-لاشين/1291941-مهرجان-القاهرة-السينمائي--ونمنمة-الثقافة
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق