الأحد، 14 ديسمبر 2014

كمال الشيخ راهب السينما!



بقلم- هشام لاشين
كنت واحدا من المحظوظين الذين اتيح لهم الجلوس بجوار المخرج الكبير كمال الشيخ لعدة سنوات خلال لجنة مشاهدة وإختيار الافلام لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ..كنت اصغر عضوا باللجنة التي إختارني لها الراحل المبدع سعد الدين وهبة والذي كان يشجع اي موهبة حقيقية يراها جديرة بالتشجيع فاتاح لي بذلك فرصة كبيرة إستفدت منها كثيرا بمشاهدة مئات الأفلام علي مدار أكثر من 10 سنوات قبل أن يتعرض المهرجان للإرتباك والمشاكل في أعوامه الأخيرة.. وفي نفس الوقت كان كمال الشيخ هو أكبر الاعضاء سنا هو والمبدع الراحل صلاح أبو سيف والذي كان يجلس علي يسار كمال الشيخ فجمعتني الصحبة والمناقشات بإثنان من أهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية علي الإطلاق .
كان كمال الشيخ كعادته دمثا هادئا يتأمل الأفلام في صمت الرهبان ونادرا مايدخل في جدل حول مدي أهمية الفيلم من عدمه فكان يكتب تقريره في هدوء بعد إنتهاء العرض وكنت أنا وصديقي الناقد الجميل محي الدين فتحي نلجأ لاستفزازه لنعرف رايه ووجهة نظره في الفيلم وكان يجيب بكلمات قليلة  مكثفة ولكنها دافئة كشخصيته وموجزة ومشحونة مثل أفلامه.. ويبدو أن عمله الشيخ كمونتير لفترة طويلة قد اثر في شخصيته فجعله شديد التحديد والايجاز مما قد يراه البعض نوعا من التعالي أو العزوف عن الجدل ولكنه في الحقيقة كان اشبه بمتأمل او فيلسوف لايهدر طاقته في الثرثرة بلا طائل كما كان يترك مساحة لمن يعرفه من الغموض والتحليل تماما كما كان يفعل في أفلامه.. مونتيرا مدهشا ثم مخرجا مبدعا يعرف كيف يصيغ بناء أعماله بنسق هرمي متقن لاتجد فيه غلطة من فرط الدقة والبراعة..فلم يكن الشيخ مجرد محاكاة لإسلوب هتشكوك المثير كما يحلو للبعض تشبيهه بإعتباره كان من المعجبين به ففي أعمال مثل  (المنزل رقم 13) اول أفلامه والذي حقق نجاحاً كبيراً لدى عرضه او حتي فيلم (حياة أو موت) والذي تم اختياره ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في السينما المصرية. سوف تجد عالما متكاملا يختلك فيه الواقعي بالخيالي والاثارة والتشويق  بطبائع المجتمع وشكل شوارعه وحواريه وهو مايبدو جليا في (حياة أو موت) والذي يستعرض منطقة وسط البلد بزحامها وبعض الفوضي المبكرة مما يجعل من هذا الفيلم نوعا من التوثيق لشوارع شهيرة في وسط البلد في تلك الفترة .. وقد كرس كمال الشيخ هذا التشريح الإجتماعي والجغرافي فيما بعد خصوصا في الأفلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ  كما في (اللص والكلاب) عام 1962، و(ميرامار) عام 1969 حيث يمكن ان تلمح بوضوح شوارع القاهرة القديمة وكذلك الإسكندرية بعين مخرج يعرف طبيعة التفاصيل التي يجب أن يركز عليها بينما هناك تفاصيل أخري يجب إخفاءها حتي لاتصيب المشاهد بالتشتت او تدفعه لإستنتاج لاعلاقة لها بالفكرة الرئيسية ..ناهيك عن الإستفادة في مرحلة الأبيض واسود من الظل والانعاكسات الضوئية لخلق حالة الترقب والإثارة المطلوبة كما في الليلة الأخيرة  وغيرها .
ومثلما برع الشيخ في الافلام الإجتماعية والروائية  الادبية برع أيضاً في تقديم الفيلم السياسي  وبعضه أيضا عن روايات مثل: (غروب وشروق) 1970 (شئ في صدري) 1971، (على من نطلق الرصاص) 1975، و(الصعود إلى الهاوية) 1978 والذي تم اعتباره أفضل أفلام الجاسوسية التي قدمت في السينما المصرية.
فقد كانت لمسات الاثارة والتشويق قائمة مخلوطة بنفس الهدوء التأملي ومساحة الإندماج والتفكير التي كان دائما مايتركها للمشاهد في كل أفلامه تقريبا بما فيها الخيال العلمي كما في (قاهر الزمن) !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق