الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

(الليلة الكبيرة) يكشف التشوهات الدينية والإجتماعية


                  

هشام لاشين
يعتبر الفيلم المصري (الليلة الكبيرة) المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السابعة والثلاثون بمثابة الجزء الثالث للثنائي احمد عبد الله مؤلفا وسامح عبد العزيز مخرجا بعد فيلمي (الفرح-كباريه) والتي تدور أحداثهما في يوم واحد ، كما تتشارك الثلاثية في رصد صراع لمجموعة من المهمشين تتقاذفهم امواج الفقر وتتلاطم أفكارهم بين التطرف الديني والأخلاقي حيث يتشكل عالما ساخنا تعلو فيه إيقاعات الموسيقي الشعبية والرقصات الهستيرية كما في (كباريه والفرح) بينما تعلو إيقاعات الإنشاد الديني وأغاني الذكر في الجزء الجديد(الليلة الكبيرة)  لتغلف كامل الأحداث .

في الجزء الجديد يرصد صناع الفيلم جدلية الصراع بين الصوفيين والسلفيين في قالب نقدي ساخر وعنيف بل وجرئ لعالم الصوفية عبر الموالد الشعبية الدينية التي يخترق عالمها السفلي ليقدم لنا أنماطا من البؤساء والجهلة والمغيبين الذين يسترزقون من هذه الموالد أو المترددين عليها لنري شرائح من نوعية المنشد الدينى (عمرو عبد الجليل) ويدعى أبو قمر الذي لم يتخل طوال أحداث الفيلم عن تناول مخدر الحشيش، والبحث عن المتعة الحسية حتى يكتشف أن آخر سيدة كاد أن يتزوجها كانت ابنته من غلطة سابقة له مع زوجة عازف الكمان الذي يعمل عنده (أحمد صيام) ، كذلك عامل السيرك (محمد لطفى ) الذى خان العهد مع صاحب السيرك الذي إحتضنه من الشوارع حيث لايعرف له أب أو ام كأي لقيط حتي نكتشف أنه ضحك علي إبنته لتحمل منه فيجبره علي الزواج منها ثم تطليقها في نفس الليلة ليعيده للشوارع مرة أخري .
هناك أيضا شخصية وهدان الأقرب إلي مريض نفسي نتيجة قيام والدته بمصاحبة الرجال مقابل جنيهات في الموالد مما يتسبب له في عقدة نفسية تدفعه للتحرش بالنساء في الموالد ومحاولة قتل أمه في نفسه طول الوقت عبر خيالات وهلاووس تصيبه بين الحين والأخر  .

ومن النماذج الذي يذخر بها سيناريو الفيلم نموذج المنقبة التي أجبرت علي النقاب من خلال والدها الذي قهر أمها وهاهو يواصل قهر إبنته إعتقادا منه أنه يحميها من طمع الرجال في جسدها وجمالها مما يسبب لها بدورها نوعا من الإزدواجية تسفر عن الزواج العرفي بأول رجل يغازلها رغم أنه قواد يستغل فندق عمه ويؤجره بالساعة .
ويمتد سيناريو الفيلم الذي يلجأ مخرجه لإسلوب البانوراما في العرض والقطع المتوازي أحيانا كما في الجزئين السابقين للمزيد من النماذج الإجتماعية المشوهة علي هامش الليلة الكبيرة لمولد (سيدي عرش الدين) ويربطها بكبير هذا المولد (محمود الجندي) ويطلق عليه الدكتور الذي نراه في مناظرة غير مباشرة وحوار جدلي مع أحد السلفيين (علاء مرسي) يحاول إقناعه بأن هذه الموالد لاتضر أحد ولاتصطدم مع ثوابت الدين في حين يري الأخر أنها نوع من التطرف والإستعانة بأولياء الله الصالحين وهو مايعد نوعا من الشرك في الإسلام ورغم إستسلام السلفيين -القادميين في ثوب مجموعة من رجال الإعمال بهدف هدم الضريح وتطهير الأرض من البدع - لمنطق دكتور الصوفية إلا أنهم يتمون صفقة شراء الأرض بعد تعهد بعدم هدم الضريح في حين يلجأ المؤلف والمخرج لتفجير الصراع مع المشاهد الأخيرة بالمكاشفة وفضح أسرار المولد بمنطق أقرب لبناء الجزئين السابقين مع ترك الأسئلة مفتوحة للتأمل علي كل الإحتمالات .


الطريف أن حوار الفيلم يلجأ لنقد سياسي يدفع جمهور الصالة للتصفيق حين يتم ابلاغ المنشد الديني بأن المحافظ وبصحبته شخصيات اجنبية جاءت لحضورالمولد ليرد بقوله: (الاجانب جايين يتأكدوا ج اننا لسة بنفقر ، مش بدأنا نفكر)، وهي جملة تظل بعد انتهاء مشاهدة الفيلم قابلة للتأمل وسط كل هذا الركام الذي نراه من التشوهات الإجتماعية التي يزخر بها مولد يجمع كل الأطياف وكأنه نسخة مصغرة من الوطن الكبير ، مثلما يبقي فلكلور المولد ومشاهد وأغنيات الذكر المحببة المختلطة بالشعوذة وإيقاعات كودية الزار وإصطكاك أصوات الأرجوحات وتدافع المريدين ورمي السكاكين كأحد ملامح  الليلة الكبيرة من المشاهد المؤثرة والمفعمة بالعبق والتي عادة ماتعجب لجان التحكيم مما يرشح الفيلم بالفعل لأحد جوائز المهرجان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق