الخميس، 5 نوفمبر 2015

(لامؤاخذة) عندما تعالج العنصرية بتطرف مضاد



بقلم- هشام لاشين
(لامؤاخذة) كلمة تعني في العامية المصرية (عفوا) او (لاتؤاخذني) وهي منتشرة في الأوساط الشعبية منذ اوائل القرن الماضي تعبيرا عن الإعتذار او نطق كلمات غير مناسبة بسبب السخط.. ويبدو ان السيناريست والمخرج عمرو سلامة قد أطلقه علي فيلمه الذي يتناول موضع شائك ويكاد يكون من المحرمات في السينما المصرية وهو الدين وتحديدا العلاقة الإجتماعية والثقافية المتشابكة في المجتمع المصري بين المسلم والمسيحي.. وهو نفس الفيلم الذي حاز أكثر من 5 جوائز في المهرجان القومي للسينما المنتهي منذ ايام بل والذي حاز علي دعم مادي من وزارة الثقافة المصرية بينما ظل جهاز الرقابة التابع لنفس الوزارة يرفضه أكثر من 4 سنوات حتي خرج للنور ليحصد الجوائز ويثير الكثير من الجدل .
يكشف الفيلم النقاب عن حياة طفل مسيحي هاني عبد الله بيتر (أحمد داش) يتوفى والده، وسرعان ما تتراكم المشاكل على والدته حين تكتشف أن ميراث زوجها متمثل في ديون طائلة ، تضطر الأم لنقل هاني لمدرسة حكومية بدلاً من مدرسته الخاصة ، بينما تحذره من عدم الحديث في الدين والبعد عن عمل صداقات مع أقرانه لدرجة ان الجميع يعتقد انه مسلم .
يستعرض الفيلم بعد ذلك مجموعة من التعقيدات في العلاقات الإجتماعية المتوازية مع حياة مختلفة تماما عاشها (هاني) مما يكشف عن تباين شاسع في البيئتين الثقافية والإجتماعية ، فالطفل القادم من مجتمع أقرب لكوزبوليتان عاش مرفها في الكنيسة والمدرسة والمنزل والنادي الذي كان يمارس فيه رياضة التنس التي لاتتاح الا لقليلين من هذه الطبقة مستحيل ان يستطيع التعايش مع ثقافة شعبية مغايرة كل ابناء طائفتها من الحلاقين وماسحي الأحذية والباعة الجائلين والبلطجية حتي لو لم يكن مسيحيا ، وتلك هي السقطة الحقيقية في سيناريو الفيلم.
فالطفل المضطهد هنا غير متجانس او متكافئ مع مجتمع وثقافة أبعد ماتكون عن نشأته فلماذا يعتبره الفيلم مضطهد دينيا؟ انه بإختصار مضطهد فكريا واجتماعيا وهو بالتعبير الشائع (ارحموا عزيز قوم ذل) ونفس الأمر بالنسبة لوالدته التي اضطهدتها اسرة زوجها الراحل قبل ان يضطهدها أخرون، فمشكلة هاني ببساطة هي مشكلة أي انسان اضطرته الظروف ان يترك منطقة الزمالك مثلا ويسكن في حي إمبابة المترع بالعشوائية وأغنيات اوكا واورتيجا وسيارات التوكتوك التي تسير كالفئران في تداخل وجنون .
لذا يبدو من الصعب بعد ذلك التعاطف مع فكرة ان الحل الوحيد لأمثال هاني ان يأخذ حقه بيده بعد ان يترك التنس ويتعلم الجودو امتثالا لنصيحة احد زملائه بأن الذي يعيش في وسط الذئاب عليه ان يكون ذئبا وهو ماينجح فيه بالفعل حين يهزم زميله البلطجي في معركة حامية الوطيس وسط تشجيع وتصفيق زملاء المدرسة الذين يتحولون لتشجيعه بعد نبذه فهم مثل كل المجتمع لايحترمون إلا الأقوياء!!


المشكلة الأخري في الفيلم الذي أراد ان يعالج الاضطهاد الديني فلجا لأسلوب أكثر تطرفا وإضطهادا هو تصوير (هاني) بإعتباره مبدعا في كل شيئ في صنع طائرة او حتي في الغناء الديني الذي يكسب به أكثر الأطفال المسلمين مهارة والذي يربح جائزة الإنشاد كل عام ، وكأن الفيلم يريد ان يقول أيضا ان هذه مهمة سهلة يمكن ان يبرع فيها المسيحي الذي تربي في الكنيسة التي تحتضن الفن والإبداع والمسرح كما سيظهر فيما بعد بينما يتحول المسجد لوسيلة لعقاب الطلبة في الحصص الشاغرة .
وفي المقابل سوي نشاهد كل الغوغائية والعنف والإنحطاط في الذوق وفي دورات المياه وفي كامل جوانب الحياة داخل الفصل والمدرسة التي تحمل اسم (عمر بن الخطاب) بينما يعلق داخل الفصل (سورة الأنعام) في اسقاط واضح علي نوعية الطلبة والمدرسين بل يلجأ الفيلم لأغنية مباشرة تتحدث عن المتخلفين بينما تمر علي وشوش مدرسات محجبات ومدرسين أقرب للبلطجية منهم لتربويين بإستثناء المدرسة الوحيدة السافرة التي تتعرض بدورها لإضطهاد المجتمع !
فالمشكلة الحقيقية التي يواجهها فيلم (لامؤخذة) مع براعة تقنيته وكادراته الخانقة المتعمدة وتكوينات المشهد المشحونة بالدلالات والتفاصيل هي سقوطه في العنصرية رغم انه كان يبغي ان يحذر منها وكان الأجدر به ان يحذر من زحف الثقافة التحتية علي المجتمع وجذبه للخلف علي مستوي الوطن كله وليس فقط ديانة بعينها كما فعل اسامة انور عكاشة منذ أكثر من ربع قرن في مسلسله التحفة (الراية البيضاء )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق