الأربعاء، 13 يونيو 2012

محمد منير.. العاشق


 *
سارح فى غربة بس مش مغترب ..ايده فى جيوبه وقلبه طرب.. هذا هو محمد منير.. العاشق الثائر الذي صنع لنفسه حالة ومدرسة وطريقة في العشق والطرب ربما تكون غير مسبوقة أو قابلة للتكرار.. أنه الصوت الجنوبي الدافق.. المحتدم.. الناعم.. المحتل لكل أذن يمكن أن تقذف بها الأقدار في طريقه .. حنجرة عرفت كيف تختار لنفسها مايخلدها فنا وتاريخا حين خلطت الجاز بالسلم الخماسي النوبي، في كلمات لاتعرف إلا مزج العشق والوطن في عطر أسطوري يزين الدنيا بأبدية .. وجاء ارتباطه بأشعار الصف الأول من شعراء العامية المصرية وقواميسهم المغايرة الخالية من النبرة الرومانتيكية التي سادت منذ أواخر القرن التاسع عشر وموسيقاه المنفصلة عن الطرب الكلاسيكي ليدعم أركان دولته العالية الأسوار والممتدة بطول أجيال وأجيال.. لقد جاء منير من النوبة القديمة بأسوان مهاجرا بعد غرق قرى النوبة تحت مياه بحيرة ناصر التي خلفها السد العالي .. ولكنه أنشأ بصوته سدا جديدا قادرا علي توليد مليارات الكيلو وات من الشجن والعذوبة والوطنية وليحمي الطرب من الغرق في أتون الزيف والتكرار والهبوط ..ومنير نموذجا للوحدة الموضوعية والحالة الشعورية الممتدة كأي مدرسة في الشعر أو القصة حيث يغلب عليه الطابع الرومانسي المشغول بوطنية متدفقة واغتراب حزين مغلف بترحال يسكن جنباته وثورة شامخة تسكن حنجرته واختيار كلماته وألحانه وهو مايبدو جليا في المراحل الغنائية المختلفة من تجربته.. فالاغتراب يبدو في نوعية مثل  (في عنيكى غربة وغرابة..وانا فيكى مغرم صبابة)..(سؤال بسألك إيه آخرت الترحال.). (جاى من بلاد البعيدة لا زاد ولا مية ..وغربتي صاحبتي بتحوم حواليا).
والوطن والثورة والحرية شغله الشاغل (يا كل الإنسانية
الدم ماهوش مية)
أو (يا معلقين عالمراجيح و الحبل مستورد فاخر
فوق الرقاب يا معلمين أحبال قطيفة مدلدلة)
و(لو بطلنا نحلم نموت لو عاندنا نقدر نفوت) وهو يقرر في حسم لايحتمل اللبس (يامصروإنتي الحبيبة وإنتي اغترابي وشقايا
وإنتي الجراح الرهيبه وإنتي إللي عندك دوايا)
أو:(يا حبيبتي يا ام الدنيا يا اغلى الاوطان
مين ده اللي يقدر يوصل بيكي لبر امان)
وحين يتغزل بشوارعها وأهلها يغني: (فى كل حى ولد عترة وصبية حنان ..وكلنا جيرة وعشرة وأهل وخلان.). وحين يشعر بالإطمئنان يغني (معااااااكى بضحك بصوت عالي..ومش خايف وأنا عارف
قلبك من الحزن مش خالي)
وحين يعلن التمرد يقول:(مش عايز احبك مش عايز مش داخل سجنك مش جايز)
ويكرر التحدي (لو حقدر اغير راح اغير لو مش قادر انا لازم اغير واتغير).. وتظل الحرية هي البحث والشغل الشاغل لمنير..(الدم على الارض خريطة مشتاقة ليوم الحرية)
ومنير هو الوحيد الذي جعل من قلبه (مساكن شعبية) .. وهو الذي طالب بهدم أركان العنصرية الكامنة بداخلنا حين طالب بفتح القلوب للأسمر والسمرة (ده الأسود طرحة امسى و الأبيض طلعة شمسي) و(افتح مرة ما تندمشي يا تعيش مرة يا ما تعيشي).. صدقت يامنير.. أيها العاشق الثائر.. وسنظل نكرر نبؤتك قبل أعوام طويلة: أهي قامت مصر بتقلع توب الذل..اهي صحيت مصر يا ناس قدام الكل!!
هشام لاشين