الأحد، 19 يناير 2014

الليثي.. المقاتل!


بقلم/ هشام لاشين
----------------
الإصرار.. ذلك هو مفتاح شخصية المبدع الراحل ممدوح الليثي.. كانت شخصيته الكاريزمية مشبعة بمزيج من القوة والحزم التي يتميز بها ضابط شرطة ملتزم خدم في هذا المجال لعدة سنوات في مرحلة حساسة وفاصلة في التاريخ المصري وتحديدا من عام 60 وحتي نكسة يونيو 67 ثم ذلك التمرد علي واقع الهزيمة إلي واقع أكثر رحابة حيث الرواية والفن والإبداع.. وكان ذلك المزيج قادرا علي صبغ شخصية الليثي بالتنوع وأكد نجاحه بعد ذلك في المجال الإبداعي وحتي عند تصديه للعمل العام علي تلك الشخصية العنيدة المقاتلة التي تصر علي النجاح والتميز.. وأذكر في أول لقاء جمعنا خلال ندوة حول فيلم (المذنبون) بمعهد جوتة في أواخر التسعينات وكان قد إبتعد عن العمل العام لفترة قصيرة أنني شاهدت الليثي يجلس في الصف الأول ليعقب ويناقش بحماس منقطع النظير وكأنه شاب في مقتبل حياته رغم تاريخ طويل كان في خلفية هذه الشخصية العنيدة.. وقتها أدركت سر نجاح هذا الرجل.. فهو العنيد صاحب الإصرار والحضور الإعلامي الذي كان يستهويه بريقه ويحفزه.. كان يبدو كمقاتل يصر علي ألا تهزمه أي أزمة.. ومرت السنوات وإقتربت منه أكثر داخل جمعية كتاب ونقاد السينما وإختلفت معه كثيرا في أمور خاصة برئاسته للمهرجان مثلما إختلف  أخرين من أعضاء الجمعية ومجلس إدارتها لكن ظل إعجابي بشخصية الليثي العنيدة القوية أمرا لايحتمل النقاش مثلما ظل إعجابي الخاص بأعماله السينمائية كسيناريست قدم بالفعل أعمالا ستظل خالدة في تاريخ السينما المصرية من نوعية «ثرثرة فوق النيل»، و«السكرية»، و«ميرامار»، و«الكرنك»،والمذنبون  و«أميرة حبي أنا».. فقد إستغل ذكاء الليثي روايات مشبعة بالعمق السياسي والإجتماعي لكاتب نوبل المدهش نجيب محفوظ لينقل واقعها للشاشة الساحرة التي كان الليثي متمرسا في غزوها بالفن المتميز سواء كان ذلك مبدعا في السينما أو مديرا ورئيسا لقطاع الإنتاج في التلفزيون.. ولازلت أري أن افلاما مثل التي سبق الإشارة إليها هي بالفعل علامات مضيئة تكشف مرحلة دقيقة وخطيرة من تاريخ مصر السياسي والإجتماعي.. فتكنيك المذنبون كسيناريو مثلا يعقد محاكمة بالتوازي للمجتمع كله الذي ساهم فساده في الوصول إلي هزيمة 67 وهو نفس تكنيك (ثرثرة فوق النيل).. فكلاهما ينطلق من جريمة قتل لمحاكمة مجتمع خرب يرتع في الفساد ويركن للهروب من مواجهة أزماته الحقيقية بالمخدرات أو النساء..أو حتي الرشوة والنفاق.. وكان (الكرنك) أيضا محاكمة لعالم البوليس السياسي السري الذي يشبه فساده مايحدث الأن في مصر حيث تتسع المعتقلات باسم الأمن القومي وينفرد زوار الفجر بصناعة تاريخ جديد من القهر المتواصل في هذا البلد باسم حب الوطن والخوف عليه من الأعداء الذين هم أيضا من نفس الوطن..ورغم مانال الكرنك من نقد للخائفين من إتهام الحقبة الناصرية ووصمها بالتجاوزات لكن يظل هذ العمل بمثابة شهادة واقعية علي فساد أمني وسياسي تسبب في وقوع ضحايا بلا ذنب سوي إبداء الرأي المخالف ..واثناء رئاسته لجهاز السينما حاول الليثي أن يواصل نجاحاته السابقة في قطاع الإنتاج بالتلفزيون فشجع تقديم عدة أعمال بعضها يحمل الحس الوطني كما في(فيلم هندي) الذي يؤكد علي تغلغل مفهوم الوحدة الوطنية في نسيج المجتمع المصري وكان ذلك النهج إستمرارا لنوعية أخري من الأعمال قدمها للتلفزيون مثل (الطريق إلي إيلات).. فقد كانت السياسة تفرض نفسها علي عقل الليثي مبدعا ومسئولا ولكن علي نحو مختلف في حين كان حسه الوطني قادرا علي تمييز ماهو ضروري لكل مرحلة.. ويظل الإصرار هوالقاسم المشترك الأعظم في شخصية الليثي حين واجه إحتجاجات العاملين بجهاز السينما في أعقاب ثورة يناير بقوة  حتي أدرك أن المطالب الفئوية هي طبيعة المرحلة فانسحب من المشهد تدريجياأي المخالف


وكان لي حظ الإقتراب من جانب أخر من شخصية الليثي خلال مهرجان دمشق السينمائي في ذلك الفندق الذي يحمل اسم وعبق وروح الشام قبل أن يجتاحها الخراب وكنا نلتقي في المطعم العائلي الذي يكان يحتفي بنا علي الغذاء أو العشاء ونظل نتحدث في أمور السينما وغيرها وكنت أكتشف فيه جانبا إنسانيا مختلفا عن ذلك الجانب الذي كنا نختلف بصدده أحيانا علي صفحات الجرائد والمجلات.. ليظل عندي ذلك الإنطباع الذي لم يبرحني عن شخصية الليثي وهو أنه مقاتل عنيد ولايغادر إصراره بسهولة.. تماما كما كان رائعا أخر أعتبره أبي الروحي هو سعد الدين وهبة.. فكلاهما كان مقاتلا شرسا لايستسلم بسهولة.. مثلما كان كلاهما مثل وزير بلا وزارة في بلاط السياسة والإبداع والإدارة..رحم الله ممدوح الليثي واسكنه فسيح جناته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق