الاثنين، 14 أبريل 2008

لمى طيارة " هي فوضى؟" فيلم من الطراز الأول بكل المعايير

إن المتطلع لواقع الحياة التي نعيشها بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية ، ليجد أن الفوضى قد عمت المكان ، بكل المقاييس والمعايير ، وامتدت هذه الفوضى لتصل بطبيعة الحال إلى السينما التي تعتبر مرآه تعكس الواقع فتحول الإنتاج في السنوات الأخيرة إلى أفلام الاكشن والهز والرقص وبعض مشاهد الإباحة والجنس، ولو نظرنا من أعلى إلى الوضع العام لوجدنا أن نتائج العولمة لم تكتف بالتخريب في عقولنا وملبسنا ومأكلنا بل تدخلت في قيمنا وحولتنا إلى صورة مشوهه عن مجتمع أبعد ما نكون عنه في أخلاقنا وديننا وعاداتنا ، ولكنه مجتمع امتلكنا في شهواتنا وغرائزنا فسيطر علينا وعلى عقولنا وأقحمنا فيه سواء كنا منتجين للأفلام أو مشاهدين ونقاد ومتتبعين لإنتاجها . ولكي لا أظلم السينما العربية كثيرا فأنه لا بد لي أن أقول أن أفلام عديدة ظهرت في الفترة الأخيرة كانت تتعرض لحياتنا ومشاكلنا الاجتماعية بشكل إما كوميدي خفيف أو درامي مسطح ، محاولة التعرض لهموم الشارع من بطالة وفقر وتخريب .. الخ ، كلامي هذا طبعا بالنسبة للسينما المصرية ، أما لو نظرنا إلى السينما سواء في سورية أو المغرب العربي أو حتى في الخليج الذي دخل حديثا هذا المضمار ليعكس لنفسه صورة حضارية . تلك البلاد كان لها رصيد لا بأس به سواء في الإنتاج أو المهرجانات وحصدت أفلامها بعضا من الجوائز ، اغلب الظن وزعت هذه الجوائز على أساس اعتبارات سياسية أو دبلوماسية ،عموما ، لو تتبعنا إنتاجها السينمائي لوجدنا أن بلدا مثل سورية إلى الآن لم يقدم فيلما يطرح هموم الشارع فالفيلم السوري حبس نفسه ولفترة طويلة في أفلام البيئة الضيقة والمحدودة والتي على الأغلب لا تحقق انتشارا ولا عالمية ،حتى ولو شاركت هذه الأفلام في مهرجانات عالمية ، وقد اعذر مؤسسة السينما على هذا التصرف نظرا لان صناعة السينما في سورية ليست بصناعة ربحية كما هو الحال في مصر فقلة هي صالات العرض وقلة هي جماهيرية الأفلام ، والأفلام على الأغلب نخبوية ولا توزع إلى الخارج ، والأمر كذلك سواء في المغرب العربي أو حتى في الخليج المتمكن ماديا ، فالسينما لم تصل إلى مرحلة الصناعة ، ولم تحمل معها ميزان الربح والخسارة . إن مقدمتي الطويلة هذه جاءت رغبة مني لأقول أن " فيلم هي فوضى؟" هو من الأفلام القليلة في الساحة العربية عامة ، التي استطاعت كسر هذا الحاجز بكل شفافية وجرأة ، فالفيلم يتعرض لمواضيع هامة تخوض في هموم الشارع المصري بما فيه من أخطاء وعيوب وظلم وفقر متخطيا كل حواجز الرقابة ، لقد عاد بنا يوسف شاهين إلى زمن الأفلام الهامة التي كان قد قدمها سابقا كأمثال فيلمي " باب الحديد "و " الابن الضال" بعد أن كان قد حصر نفسه ولفترة طويلة في أفلام السيرة الذاتية و أفلام الرموز التي قللت كثيرا من جماهيرية أفلامه ، نظرا لان الشارع بما فيه من نسبة أمية حتى بين المتعلمين لا يفهمون هذه الرمزية في أفلامه.... وفيلم "هي فوضى؟" يحكي عن (حاتم) أمين الشرطة بقسم شبرا الذي يقطن في حي شعبي و يقع في حالة حب أشبه ما تكون بالمرض (لنور) جارته الحسناء التي تعمل مدرسة و التي تقع بدورها في حب ابن الناظرة ( وداد) الذي يعمل وكيل نيابة ويدعى شريف... ويصور الفيلم فساد أمين الشرطة هذا المحمي بمأمور القسم المهزوز الشخصية والمرتبك ، وكأنه في دوله من الفوضى يقوم بكل أنواع التجاوزات في وضح النهار بدءا بإهانة المعتقلين السياسيين و التعذيب الجماعي لهم وانتهاء بالرشوة والابتزاز. ربما لا بجدر بنا حقيقة أن ننسب هذا النجاح كله ليوسف شاهين بل لكل العاملين في الفيلم بدء من سيناريو العمل الذي كتبه المبدع ( ناصر عبد الرحمن) دون تدخل من يوسف شاهين دخولا بأداء الممثلين الرائعين الذين كانوا أكثر من مبدعين فالفنان " خالد صالح" الذي لمع نجمه في الآونة الأخيرة , يؤدي في هذا الفيلم شخصية مركبة ،قاسية جدا وعاطفية ،أما النجمة الشابة " منه شلبي" فهي تخطو خطوات كبيرة وواسعة بدء من ظهورها الأول في فيلم " الساحر" مرورا بفيلم " بنات وسط البلد" إلى " هي فوضى؟" والنجمتين هالة فاخر وهالة صدقي واللتين بدتا بشكل جديد ..وصولا إلى النجم يوسف شريف . كما لا يمكننا تجاهل المخرج اللامع خالد يوسف التلميذ الأستاذ صاحب البصمة التي كانت واضحة في معظم مشاهد الفيلم بما فيها من قوة في إظهار المعنى وتجسيد للمواقف وخاصة التي اعتمدت على المجاميع ، وقد أعطت الفيلم بريقا ورونقا إضافيا ، طالما افتقدناه في أفلام يوسف شاهين السابقة التي اعتمدت الرمزية الشديدة ، كما أضافت الموسيقا التصويرية التي قدمها " ياسر عبد الرحمن " تكثيفا بصريا للمشاهد ، ولن ننسى المونتاج الجيد والمتقن الذي هو أساس نجاح أي فيلم . ولكن حين نسأل أنفسنا كيف استطاع فيلم بهذه الجرأة أن يعبر عبر الرقابة المصرية وهو فيلم مهرجانات من الطراز الأول بما تعنيه هذه الكلمة من مستوى في الأداء والإنتاج والإخراج.. وأن يطرح بشده ويعكس بهذه الجرأة واقعا عربيا تخشاه الحكومات قبل الأفراد نظرا لما يعكسه من صورة سيئه لنا لدى الغرب عند مشاهدته ، نتأكد أن نفوذ وقوة يوسف شاهين بالإضافة إلى قوة الشركة المنتجة "السيد..جابي خوري.." التي آمنت بالعمل كما تؤمن بيوسف شاهين ، هي التي وقفت خلف هذا النجاح مجملا ، فبدءا من طلب الرقابة حذف بعض المشاهد التي اعتبرتها إباحية وانتهاء بإضافة إشارة الاستفهام إلى افيش الفيلم ليتحول العنوان من تأكيد على حالة الفوضى إلى سؤال و استفسار عنها لطالما نسمعه في الأحياء والشوارع وعلى لسان العامة حين حدوث أمر غير طبيعي " هي فوضى؟" ، في الحقيقة النتيجة واحدة لدى المتلقي سواء أضافت الرقابة هذه الإشارة أم لم تضفها فالرسالة المقدمة عبر ثنايا الفيلم وصلت ، فالمشاهد يخرج من الفيلم وهو يشعر بحالة تأكيد وتأكد من الفوضى الموجودة وليس مستفسرا عنها ... في النهاية كل ما نتمناه أن تنتج لنا السينما العربية على الأقل، فيلما واحدا في السنه بقوة وجرأة فيلم " هي فوضى". لمى طيارة / مجلة افروديت

هناك تعليق واحد:

  1. كنت قريت ان حضرتك عملت حوار صحفى مع الموسيقار ياسر عبد الرحمن ..لو ممكن يعنى حضرتك تنشريه هنا

    ردحذف