الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

هشام لاشين يكتب:الأدريناليين المصري بنكهة أمريكية!

شحيحة هي تلك الأفلام المصرية التي تعتمد في بنائها الدرامي علي أبحاث ودراسات علمية بالإضافة إلي الرجوع لمصادر وخبراء في شأن التفاصيل التي يعتمد عليها العمل الفني إذا كان متعلقاً بأمور علمية.. وفيلم (أدريناليين) واحدا من هذه الأعمال القليلة المبذول فيها هذا الجهد العلمي عند إعداد السيناريو مع خلط ذلك بمستوي حرفي محكم من البناء الدرامي لتحقيق أكبر قدر من التشويق والإثارة وإن كان ذلك في مناخ أمريكاني مثيرلم يتحرج مخرج العمل من إظهاره عبر إستخدام لغة تجريدية تسود في هذه النوعية من الأفلام بحيث تصبح الأماكن والإكسسوارات والبحروالمطر والظل والنور كلها في خدمة الموضوع بصرف النظر عن مدي ملائمة هذا الإسلوب للواقع المكاني الحقيقي فالمهم هو واقع الدراما ذاتها وهو مانجح فيه محمود كامل مخرجاً بمساعدة سيناريو محمد عبد الخالق والمجموعة التقنية للفيلم.. رغم تأثر الفيلم ذاته بأجواء العديد من الأفلام الأمريكية بل وبعض المسلسلات والبرامج علي غرار (csi ميامي) والذي يحقق في بعض الجرائم المثيرة والحقيقية أحيانا التي وقعت في بعض البلدان الأوربية. وتدور أحداث الفيلم حول جريمة قتل غامضة يكتشفها المقدم/ محمود أبو الليل(خالد الصاوي) .. جثة مشوهة مجهولة الملامح في غرفة نوم الدكتورة منال(غادة عبد الرازق)..وتتوجه أصابع الإتهام ناحية الطبيبة بإعتبار أن القتيل هو زوجها النحات (سامح الصريطي) وبعد القبض عليها يظهر الزوج حياً ليبدأ التساؤل حول شخصية القتيل.. ومرة أخري يتهم الزوج بالقتل بإعتبارها جريمة شرف ويعترف بالقتل فعلا لكنه ينكر قيامه بالتشويه ورغم الحكم عليه إلا أن الضابط يشك في الحكاية بمعاونة طبيب التشريح (محمد شومان) ومن خلال التحقيق نكتشف مخاوف الشخصيات المتورطة في الجريمة و سر الأدرينالين في حياتهم وتحديدا الدكتور النفسي كريم عوني (إياد نصار) الذي كان علي علاقة عارمة بالدكتورة منال وكان يستغلها .. ويناقش الفيلم تأثير هرمون الأدرينالين على الجسد، وكيف أن حقن الجسد به قد يؤدي إلى الاضطراب..ومن المعروف أن الأدريناليين مادة تفرزها الغدة الكظرية وهذه المادة تعطي الجسم طاقة قويةونشاط غير عادي فيتجه الدم الى العضلات في القدمين واليدين من أجل الدفاع عن النفس أو الهرب ومشكلة هذه المادةإذا زادت في الدم يحدث لدى الإنسان أعراضاً مزعجة وإنفعالات مركزة قد تصل لأيام دون نوم فإذا لجأ إلي المهدئات التي تذهب به في الإتجاه العكسي بكثرة كما في الفيلم ينهار في النهاية ويموت دون أن يظهر السبب الحقيقي ويبدو الأمر كما لو كان إنتحارا بفعل كثرة المهدئات وهو الإسلوب الذي إستخدمه الطبيب النفسي مع منال.. كما يركز على فكرة أن الجثث فاعلة في الحياة ولها رغبات تسعى لتحقيقها وهي فكرة فلسفية يصل بها الفيلم إلي حد الميتافيزيقا في أحد المشاهد حين يري الضابط جثة الطبيبة التي كانت حامل في شهرين قبل تعرضها للقتل باللعب في مادة الإدريناليين وهي تهدهد طفلها داخل المشرحة.. وقد رأينا العديد من الأفلام الأمريكية التي تناقش هذه الأفكار مثل قضية التخاطر التي تعرض لها المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك في واحد من أشهر أفلامه (النداء الغامض).. وإذا كانت المسحة الأمريكية قد فرضت نفسها علي هذا الفيلم بإستخدام أجواء مشرحة زينهم عبر إضاءة معينة غلبت علي الفيلم بإستخدام كاست أزرق مع كثرة إستخدام الأمطار والزوايا تصوير تركز علي أجزاء بعينها من منطقة الإسكندرية وشاطئ البحر في إطار تجريدي يلغي المكان الحقيقي ويقدم زوايا غير معروفة ليزداد الغموض والإثارة ..فقد نجح المخرج في أن يفعل ذلك بشكل تقني محكم.. فالفيلم كما يقولون (مصنوع جيدا) حتي إستخدام الموسيقي التي بدت ذات تيمات مميزة وغريبة كانت مناسبة لأحداث فيلم مثير .. كما تم إستخدام المونتاج بشكل متدفق وبأسلوب زمني منح الأحداث أبعادا أكثر إثارة دون تشتيت أو تقديم أو تأخير يضر بالسرد.. ومن الواضح أن الفيلم قد استعان ببعض المتخصصين في التشريح للكشف عن خفايا ما يدور في عالم تشريح الجثث. أما الأداء فيكشف عن مهارة المخرج في توجيه ممثليه.. فغادة عبد الرازق في واحد من أفضل أدوارها علي الإطلاق حيث تقدم شخصية إمرأة غامضة لاتشك لحظة واحدة في أنها مرتبطة بعشيق هو سبب كل هذه الأحداث وبإستخدام ماكياج جيد وقسمات وجه محددة وإنفعالات محسوبة.. وخالد الصاوي ممثل عملاق وأن كان قد وقع في فخ الأداء المسرحي المصنوع بإفتعال أثناء محاولاته تبسيط شخصية الضابط الحريص علي الحقيقة رغم أن حياته الخاصة تنهار من حوله..وسامح الصريطي بدوره ممثل كبير إستفاد من خبرات السنين وهاهو يقدم بدوره دوراً متميزا للزوج المحب الذي وجد نفسه قاتلاً في لحظة بالصدفة كما نسمع عن العديد من الجرائم مؤخراً.. وفي مباراة حوارية بينه وبين الضابط داخل الزنزانة حول أن الحقيقة أهم من مجرد تقفيل قضية نري مشهداً من أهم مشاهد الفيلم.. حاول فيه النجمين تقديم أفضل ماعندهما..كذلك محمد شومان الذي نراه مختلفاً هنا .. فهو طبيب التشريح البارع الذي يعشق مهنته ويري في الجثث لغة خاصة ويتعامل معها بمبضع فنان جراح مع خلط ذلك بخفة ظل طبيعية تمنح أبعادا للشخصية دون أن يبتذلها في تهريج يخرج بها عن السياق.. والممثل الأردني إياد نصار في أول أعماله السينمائية بعد تألقه في أكثر من عمل تلفزيوني منها "الأمين والمأمون" و"الاجتياح" و"صرخة أنثى" يبدو مناسبا لشخصية الطبيب النفسي الذي يستغل علمه في تدمير كل من حوله بقسمات حادة محايدة تجعلك لاتتوقع ردود أفعاله يبدو مناسبا تماما للشخصية . وفي النهاية يمكن القول أن أدريناليين فيلماً جيداً صنع بمهارة مصرية ونكهة أمريكية ليؤكد أن هذا الجيل لاينقصه الخبرة والموهبة.. وإنما يحتاج فقط للبحث عن موضوعات لها علاقة أكثر بمجتمعنا المشبع بقضايا وحوادث لما يألفها علي مدار تاريخه.. ربما نفهم سر التحولات التي جرت لنا في العقد الأخير.. بل ربع القرن الأخير!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق