الأربعاء، 3 ديسمبر 2008

هشام لاشين يكتب عن الفيلم الذي ينتظر مذبحة أبو شادي

هو الفيلم المثير للجدل الآن .. ليس فقط لأنه منع من العرض في مهرجان القاهرة السينمائي لأسباب قيل أنها سياسية .. وليس لأن الرقابة علي المصنفات في مصر برئاسة علي أبو شادي تستعد لمذبحة له بهدف ترويجه إعلاميا.. وليس لأسباب سياسية كما يتردد.. ولكن لأنه بالفعل يخوض في الممنوع ويناقش قضية سياسية مهمة في توقيت تنشغل فيه السينما المصرية والعربية بموضوعات أخري تتراوح مابين التفاهة والضحالة وبين المزايدة الرخيصة علي الواقع الاجتماعي المتردي.....مانتحدث عنه هو فيلم (دخان بلا نار) للمخرج سمير حبشي وبطولة خالد النبوي ورودني الحداد وسيرين عبد النور وإنتاج جابي خوري.والطريف أن الفيلم تعرضت له أراء نقدية عديدة أجمعت علي وجود مشكلة في السيناريو وتباينت في المستوي التقني مثلما احتارت في موقفه السياسي .. فقد رأي البعض أن الفيلم يلقي بمسؤولية الفوضى التي تجتاح لبنان منذ سنوات على عاتق الولايات المتحدة مجنبا سوريا انتقادات شعبية وسياسية بأنها تمارس وصاية على لبنان.بينما قال رأي آخر بأن الفيلم يمثل إساءة للعلاقات السورية اللبنانية ويثير حساسيات كبيرة في توقيت هدأت فيه الأمور نسبياَ.. وهو الرأي الذي انحازت إليه الرقابة المصرية علي مايبدو بعد أن انحاز مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأخيرة برئاسة عضو اللجنة الفنية الناقد السوري رفيق الصبان لنفس هذا السبب ولم يكتفي بذلك وإنما تم منع الفيلم بالكامل من العرض في المهرجان في سابقة تبدو فريدة وتكشف عن تردد داخل اللجنة الفنية العليا للمهرجان في اتخاذ قرار يحفظ لمهرجان دولي ماء وجهه.. بل المدهش أن الناقد السوري ( حكم البابا) أشار في مقالة للعربية نت عن رفضه لأسلوب الفيلم من الناحية الفنية لكنه لم يشر قط إلي وجود إساءة لسوريا من قريب أو بعيد.. فكيف كان مهرجان القاهرة ملكياً أكثر من الملك؟؟ ذلك سؤالا أخر طرح نفسه علي هامش هذه الأزمة.خصوصا أن الفيلم نفسه عرض في مهرجاني أبو ظبي وقرطاج‏,‏ ولم نسمع أحد تحدث عن إساءة الفيلم لسوريا لكن رفيق الصبان وكما صرح لجريدة الأهرام المصرية قال إن الأسباب التي دفعتنا لمنع عرض الفيلم بالمهرجان هي أن المهرجان ترعاه وزارة الثقافة بمعني أنه تحت رعاية الدولة وأنه لا يجوز مساندة مصر لرأي ضد دولة شقيقة أخري‏!!.‏ وتدور أحداث الفيلم حول مخرج مصري( يلعب الشخصية خالد النبوي )يريد عمل فيلم عن القمع في العالم العربي ويختار لبنان لاقتناعه أنها تتمتع بحرية كبيرة‏..‏ ولكن يفاجأ أن لبنان لم تعد كما في خياله‏. ويبدأ الفيلم بموكب من خمس سيارات جيب متشابهة يرفرف في مقدمتها العلم الأمريكي تقتحم المدينة وفي المؤخرة يصوب رجل رشاشا ثقيلا على المارة. مثل هذه المشاهد تلتقطها كاميرا شاب مصري يدعى خالد جاء إلى بيروت لانجاز فيلم حول واقع القمع عند الأنظمة في العالم العربي.ويتجول بالكاميرا في بيروت ويصور رؤيته للمدينة.كما يرصد بكاميرته أشخاصا وانعكاسات طريقة عيش تكشف لبنان بكل حنانه وعنفه وتناقضاته الدينية والسياسية. وفي نفس الوقت يصور حبشي كيف تقتل قوات حماية السفير الأميركي أشخاصا لمجرد إنهم لم يحترموا موكبه الذي يشق بيروت دون أن يشير احد الى ذلك. حتى وسائل الإعلام تساهم في الخداع والتضليل بإشارتها أن القتلى تعرضوا إلى صعقة كهربائية بالمصعد او ماشابه ذلك ويسخر المخرج من كيفية تزييف الحقائق وكيف يحول الإعلام اللبناني المناهض لسوريا حادث انتحار شيخ ببيروت إلى حادث إرهابي في اتهام ضمني لسوريا ويخرج آلاف الشبان للمطالبة برحيل سوريا عن لبنان.وهو مايعني أن الفيلم لايسئ لسوريا كما قيل وربما كان يسئ لأجهزة الإعلام التابعة للمخابرات وبل ولجهات خارجية علي رأسها أمريكا التي لم يجرؤ من حاولوا منع الفيلم ومن راقبوه علي الاعتراف بأن ذلك قد يكون السبب الرئيسي في رفضهم للفيلم!!وذلك بصرف النظر عن مستواه الفني!! اما المخرج اللبناني سمير حبشي فقد دافع عن فيلمه في مؤتمر صحفي أقيم بأبو ظبي بعد عرض الفيلم هناك قائلا "في لبنان يوجد نوع ثالث من البشر ممن ليسوا مع سوريا وليسوا مع أمريكا"، مضيفا "أنا ضد كل من يتدخل في لبنان، وإنه من حق المبدع أن يطرح أسئلة وأن يعبر عن التاريخ والقضايا المطروحة وفق ما يراه". بيد أن كل من شاهدوا الفيلم من النقاد علي اختلاف توجهاتهم يرون أنه مرتبك سياسيا" رغم كونه يحاول وصف واقع لبناني متشابك ومتغير، حيث كثيرا ما تختلف فيه الانتماءات تبعا لظروف الأفراد وهشاشتهم أو قابليتهم السريعة للتخلي عن المبادئ. ودللوا على حالة الارتباك السياسي في الفيلم باستخدام حبشي صورا مشابهة لصور القبض على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، واعتقال خالد النبوي في الفيلم. بالإضافة للتطويل الزائد مع عدم جودة كتابة السيناريو أو عملية المونتاج"..ولكن كل ذلك لاعلاقة له بالحقيقة المحزنة وهي أننا بصدد عمل جاد أيا كان توجهه.. وفي نفس الوقت يسبح في اتجاه مغاير للسينما السائدة في عالمنا العربي الآن ومع ذلك فهو يواجه التعنت والمنع والرقابة الحديدية تحت دعاوي تضليلية ظاهرها القومية والغيرة الوطنية أما باطنها والله أعلم فهو الخوف علي مشاعر أمريكا التي تغتال أحلامنا كل يوم بدم بارد ونحن نستعذب ذلك في انبطاح غير مسبوق ومهانة لم نعرف مثلها في التاريخ.. وربما كان الأمر يتعلق أيضا بنقد الفيلم للأنظمة العربية القمعية.. فهو لهذا السبب قد وضع يده في عش الدبابير!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق