الثلاثاء، 29 مايو 2012

شفيق وسوق المتعة


في واحد من أهم وأغرب الأفلام التي كتبها السيناريست وحيد حامد نرى رجلا سُجِن ظلمًا لما يربو على العشرين عاما وعندما خرج من السجن منحه المتسببون في سجنه مبلغا بالملايين كنوع من التعويض بشرط ألا يحاول البحث عن الرجل الكبير وراء هذه الثروة وإلا تعرض للقتل .. المهم أن صاحبنا يبدأ في البحث عن كل المتع الممكنة بعد هذه الثروة حتى يكتشف أنه غير قادر على الاستمتاع لدرجة أنه يؤجر المأمور السابق للسجن والعديد من المساجين السابقين ويبني سجنا كبيرا لا يستمتع إلا بالنوم بداخل أسواره بينما يقدم للمساجين وصلة من الرقص المخنث في أعقاب صفعات متتالية على وجهه من كبير السجن كما تعود.. وهكذا لم تفلح كل الثروة التي هبطت عليه في أن تمنحه أي متعة غير ذلك النوع الذي أدمنه من الإذلال والمهانة والتعذيب والرقص قرفصاء.. ولا يختلف هذا الوضع كثيرا في مشهد الانتخابات الرئاسية الأخيرة فالذين منحوا أصواتهم للنظام القديم الذي سقط بثورة شعبية يريدون عودة عقارب الساعة للوراء.. الذين صوتوا لشفيق منحوا صوتهم لرجل لوح بالعصا وفض الاعتصامات بالقوة وبارك الدفاع عن المستبد الظالم حسني مبارك الذي أخضع المصريين وجعلهم منبطحين طول الوقت ومع ذلك فلازالت هناك أصوات استعذبت هذا العهد تبارك فوزه.. الذين صوتوا لشفيق هم نموذج لمحمود عبد العزيز في سوق المتعة.. أشخاص سجنوا قهرا وفسادا لمدة أكثر من ثلاثين عاما خرجوا من السجن بثورة وبعد عام ونصف اشتروا بهذه الثورة سجنا بديلا ليواصلوا المتعة المريضة مستعذبين القهر والتعذيب والفساد حتى النخاع .. ولاشك أن هناك من هم واعون وليسوا مرضى وهم ما يطلق عليهم مصطلح الدولة العميقة.. وهذا الشق من أصحاب المصالح والنفوذ الذين بنوا مكاسبهم في ظل هذا النظام الفاسد ويريدون حماية مكتسباتهم في ظل استدعاء الحرس الحديدي الفاسد الذي وعدهم بذلك.. واذكر أنني تحدثت مع العشرات ممن أعرفهم في مواقع مختلفة وممن دافعوا عن شفيق وفوجئت ببعضهم يقول لي أنه الرجل المناسب لحماية مكتسباتهم.. وأذكر أن طبيبة مرموقة من ميت غمر قالت لي: افتخر بأنني فلول فقد استفدت من النظام القديم ولست مستعدة للمغامرة بجديد قد يدفعني للجلوس بالمنزل أو يأخذ مما حققته.. وقال لي لواء شرطة على المعاش.. طبعا شفيق.. فنحن شعب لا يسير إلا بالكرباج وهو ما سيتوفر علي يد هذا الرجل.. بينما قال لي بسطاء كثيرون ممن يجلسون على المقهى معظم الوقت وبما فيهم صبي المقهى نفسه.. يابيه خلينا بقي ناكل عيش .. الثورة وقفت حالنا.. وللحق شعرت أن بعضهم قد نالته بعض الرشاوى الانتخابية من تلك المنتشرة بين العديد من المرشحين..لقد نجح مبارك في حفر دولة عميقة ومرعبة من الفساد تغول فيها المرتشون وترعرع فيها موظفون عموميون وبلطجية مأجورون وكهنة ومحسوبجية وشماشرجية وإعلاميون وسماسرة محترفون علي كل لون فيما يمكن اعتباره سوقا ضخما للنخاسة والمتعة.. ولم تفلح الثورة حتى الآن في الوصول لعمق هذا السوق لتهدم أركانه وتدك حراسه وكهنته ربما بسبب أخطاء الثوار أنفسهم وربما لأن المعركة أكبر من قدرتهم.. ولكن الأهم أن مدمني كرابيج سوق المتعة لازالوا غير قادرين إلا على ممارسة العادة السرية.. تماما  كما كان يفعل بطل فيلم سوق المتعة!  بقلم/ هشام لاشين

تم النشر بجريدة الخميس