الاثنين، 31 مارس 2008

هشام لاشين يكتب عن عود الورد المغربي

تسعه عقود كاملة قضاها المغرب العربي تحت وطأه الاستعمار الاسباني قبل ان يتم إعلانه محمية فرنسيه عام 1912 بمقتضي معاهده فاس بين السلطان (مولاي عبد الحفيظ) والفرنسيين .. ورغم ذلك كانت هناك مقاومه عنيفة لكل أشكال الاستعمار آنذاك كشفت عن عدم استسلام ومحاوله تحرر حقيقية تحققت بعد سنوات طويلة .. في ظل هذا الظرف السياسي تدور أحداث الفيلم المغربي ( عود الورد) للمخرج حسن زينون والذي حاول ان يقدم وجها اخر لمحاوله تحرر نسائيه في أجواء أسطوريه تشبه حواديت ألف ليله وليله حيث تنتشر الجواري والمكائد النسائية في قصور السلاطين مع محاوله أعمق لمنح أسطورته صفه الواقعية حين يشير في تترات فيلمه الي ان قصته التي تدور في عام 1913 هي واقعيه مع أننا لم نعثر علي اسم بطلته عازفه العود أو ماتسمي ( بعود لورد) في أرشيف هذه الفترة ..علي أي حال لن نتوقف كثيرا أمام هذا الاختيار المثير للدهشة لفكره قهرالمرأه علي أيدي الرجل العربي في المغرب إبان إعلان المغرب محمية فرنسيه وفي فيلم ممول من الفرانكفونية أي بأيدي فرنسيه أيضا ربما لأننا تعودنا علي هذه النوعية من التمويل الموجه وإنما سنتوقف أمام تلك اللوحات التشكيلية التي صنعها المخرج بمهارة مدهشه حيث تشم في ثنايا الكادرات رائحة الورد المغربي وتري سحر الاسطوره وعبق القصور ذات التكوينات الاندلسيه بينما تسمع عزفا لموشحات وتسلل عبقري لصوت العود الذي تعزف عليه البطلة وكأنها خارجه للتو من عبق التاريخ لتدخل القلب وتفجر فيه أروع المشاعر. في استهلال صحراوي تغلفه اضاءه موزعه بإتقان نلمح قافلة نعرف أنها لتجاره الجواري والعبيد ولنري مساومات ومعامله لاادميه يسيطر عليها الطمع والقسوة لاسيما مع النساء ليبدأ البيع بثمن بخس ..وفي هذا الطابور نلمح بطلتنا (عود لورد) هكذا أطلقوا عليه ربما لأنها تشبه عود الورد المغربي الذي يستخدمونه ليله الزفاف وربما لأنها تحمل في يدها اله العود التي تعزف عليها بموهبة فطريه أعذب الألحان وبعد انتقال مبدأي لأحد السماسرة ولقاءها في الطريق بعجوز يروي لها أسطوره (الجمال المفقود) والتي يجسدها المخرج في مشاهد موحية وحزينة تنتقل الي سيدها المبهور بجمالها وعزفها منذ الوهلة الأولي حيث نكتشف فيما بعد انه عاشق للعزف علي العود ومحترف له وان كان فاقدا للحب والروح رغم نساءه الكثيرات وقصره المنيف المغلق .. هنا يستعرض مخرجنا الصورة التقليدية للحريم في البهو السلطاني والخدم والحشم وربما الدسائس والمكائد النسائية مع ميل السيد للوجه الجديد التي ألهبت خياله رغم الحزن القابع في ثنايا عينيها .. وهاهو سيد القصر الذي تعود ان يجمع جمهور الصفوة ليعزف له يضيف الي جلساته (عود الورد) لتعزف بدورها بينما يسعي لتعليمها أصول العزف المحترف .. وفي احد الليالي يتسلل السيد الي مخدعها ويغتصبها بلا رحمه كأي جاريه بينما تقرر ( عود الورد) تمزيق أوتار عودها الذي صار منكسرا بلا معني في معادل سينمائي متقن بينما نسمع صوت الآذان يتسلل من المخدع الحزين !! ورغم الندم الكبير الذي يعانيه السيد علي فعلته التي انعكست علي محبو بته بالانزواء والحزن والوحدة إلا ان مكائد نساء القصر تتوالي مع علمهم بحمل (عود) وتستغل النساء سفر الرجل ليجبرن المرأة علي إسقاط الجنين في مشهد شديد العنف حيث يختلط فيه السحر والدجل بالقسوة المفرطة حتى يسقط الجنين في الطين وهنا تذهب عود في هستيريا للبحث عن جنينها بينما تصارع حمي النفاث .. في هذه اللحظات يعود السيد ويحاول بشتى الطرق تقديم العلاج النفسي (لعود الورد) دون جدوى فيرسلها برفقه الطبيب لاحدي المصحات التي تشبه المعتقل في دلاله واضحة لضحايا مشابهين من معتقلين ربما سياسيين في عصور تاليه .. هنا سوف نري الاقبيه والزنازين المغلقة حيث الوحدة والقهر والضباع لكن شيئا واحدا يحاول ان يقهر هذا الظلام النفسي الموحش .. انه صوت العود الذي يلتف حوله الجميع .. وفي قطع متوازي متعمد سوف نري السيد يجلس في ركن القصر فوق عرشه المحصور بين حائطين يشبهان السجن الصغير رغم اتساع القصر ..فالجميع محاصر..وهاهو بدوره حزينا مكتئبا مدركا لفداحة مافعله قبل ان يصاب بالشلل ويموت .. وحين تعود (عود الورد) لزيارته نراها تفتح باب القصر الكبير فتخرج منه الطيور المحبوسة التي تشبهها هي وكل سكان القصر .. وينتهي الفيلم في المقابر حيث ملابس الحداد البيضاء في تكوين يكشف عن حاله جمود وموت وتحرر معا . وفي الفيلم يختلط الحلم بالا سطوره والواقع بالخيال ويعلو التشكيل الضوئي واللوني ليغلف الديكور والحالة الشعورية والطقس العام للفيلم .. هكذا يصير كل مشهد لوحه تشكيليه منفردة بينما يبرع أداء الممثلين بمنتهي الرهافة بدءا من سيد القصر (محمد مفتاح) مرورا بعود الورد( سناء العلوي) والتي قدمت معاناة المرأة بكل تمكن وشجن وأداء داخلي صعب يتطور مع الأحداث في كريشندو عبقري كذلك الممثلة المساعدة أو صديقتها صباح (حنان زهدي) التي تعيش نفس الأجواء وتتعاطف مع ازمه البطلة .. ان المخرج يدرك تماما كيف يستخدم أدواته وكيف يوظف الديكور والتاريخ وحتى المصحة الأقرب للسجن والتي تسقط علي المعاصر بألوانها وملابس النزيلات والاضاءه القاتمة الكئيبة .. نعم فأن حسن زينون قد رسم كل لقطه في السيناريو داخل لوحات مدهشه ومتفردة وان كان السؤال يبقي .. هل كانت عود الورد أو أسطوره الجمال المفقود معادلا للقهر السياسي في مغرب (الحماية الفرنسية) دلاله علي انحسار عصر الحريم والجواري أم انه مجرد استغلال للصورة الفلكوريه الشهيرة لأساطير ألف ليله وليله أم انه محاوله لاكتشاف مأساة المغرب المعاصرة من خلال أسطوره قديمه حاول المخرج ان يمنحها أبعادا واقعيه يالاشاره الي أنها قصه حقيقية وقعت في عام 1913

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق