السبت، 23 سبتمبر 2017

سينما الكنز.. بين متعة المشاهدة وعبق التأمل


هشام لاشين


السير الشعبية وابو زيد الهلالي  والف ليلة وليلة في خلفية حتشبسوت وعلي الزيبق ودور الكهنة وإستخدام الاقصر ودمشق كخلفية لحكايات الخلافة ، وديكور الجرنة ومعابد الفراعنة ، واشباح فيلم المومياء وظلال الفلاح الفصيح والقاهرة الفاطمية، وحكايات المساخيط والكنز أيضا .

حكايات كثيرة وتفاصيل بصرية دمجها المخرج شريف عرفة في فيلمه ( الجديد)، حيث يختلط الغنائي بالملحمي والاسطورة بالإسقاط السياسي المعاصر وهي خلطة تذكرنا بأفلام سابقة لنفس المخرج مثل  (يامهلبية يا وسمع هس) ، وغيرها كأسلوب سرد يكشف عن خصوصية ويعيدنا إلي زمن الحواديت والرواة باسلوب بصري مشوق .
هكذا هو فيلم الكنز الذي يعود به مخرجنا بعد فترة غياب طويلة نسبيا ليكشف ان الفنان الحقيقي لايصيبه الصدأ وانه قابل للتجدد والإبهار كلما مر عليه الزمن مثل الذهب او الحجر الثمين ، وربما ليكشف لنا أيضا ان السينما الحقيقية لازالت بخير رغم حصار العشوائيات البصرية والبلطجة الفكرية التي اشاعها تجار السينما الرخيصة في السنوات الاخيرة .

الفيلم الذي ياخذنا فى رحلة عبر ثلاثة عصور مختلفة، عصر حتشبسوت، تجسدها هند صبرى، وزمن على الزيبق يجسده محمد رمضان، الذى يجسد أيضًا دور الأب حسن رأس الغول، نشاهد الشطار ومقدمو الدرك فى عهد الولاية العثمانية، ثم انتقالا لعهد الملك فاروق والبوليس السياسى ، وكأن الفيلم يريد ان يقول لنا ماأشبه الليلة بالبارحة ، فرغم إختلاف الحكايات في كل زمن فإن التفاصيل واحدة او تكاد تتطابق منذ الفراعنة مرورا بقاهرة المعز سنوات الخلافة العثمانية وإنتهاءا بقاهرة الأربعينات والثلاثينيات ، وربما يمتد الإسقاط حتي يومنا هذا .
والكنز في فيلمنا له أكثر من معني وتصرف بدءا من مصر أرض كل هذه الحضارات التي ماأرادها ظالم بسيفه إلا قسم ظهره الله ، وهو مدلول أيضا للعديد من المعاني التي وردت علي لسان أبطال الفيلم خصوصا (بشر) بك عن  كيفية إستخدام العقل والقلب ، وإشارته لأن من أراد كل شيئ يخسر كل شيئ ، خصوصا وان الأشياء البسيطة التي قد لانراها قد تكون هي كنزنا الحقيقي الذي نعيش فيه ويعيش فينا .

والحكاية تبدأ من عند «حسن»، الشاب العائد من أوروبا، الذى يجبره والده (بشر) على العودة لمصر بعد ان أجبره علي دراسة علم المصريات بالخارج للوصول للكنز، انطلاقًا من أرض طيبة، أو الأقصر ذلك المفتوح المفتوح والذي يحوي أكثر من نصف اثار العالم ، ويعود «حسن بشر» الغائب وهو لا يملك بداخله سوى رغبة  فى الرحيل مجددًا، لكن وصية والده (محمد سعد) التى تركها مسجلة على شرائط فيديو، إضافة إلى بعض البرديات، التى تحمل حكاوى، تجبره علي البقاء لفط طلاسمها ، التي تتحول خلال السيناريو لحكايات العصور الثلاث وكأنها الراوي أو المعلق .
ورغم ان إسلوب السيناريو الذي كتبه عبد الرحيم كمال ومدة الفيلم التي تصل لثلاث ساعات كلملة قد أصابه التشتت من كثرة الفلاش باك وهو عيب رئيسي في اي فيلم سينمائي منذ ان وجدت ، إلا ان عناصر الفرجة السينمائية والغناء والحوار الرشيق الممتع يحيلك الي الف ليلة وليلة ، وكأنك داخل إسطورة لاتخلو من الحكمة والتأمل والمتعة أيضا .


الفيلم أيضا يحمل الكثير من الرسايل وهو ينتقي بعناية قصة الشطار بتوع الدرك الذين نهبوا الناس و(الشحات مبروك ) الذي ينطق بالحق لعلي الزيبق ، وراس الغول الذي أسماه الزيبق لأن مفيش حد بيقدر يمسكه وبه كل الصفات حيث  جمع الشطار تحت راية واحدة ليصبحوا إيد واحدة ضد كل ظالم ، في إشارات موازية لروبن هود ، رغم أن الزيبق هنا لم يكن يسرق من الكبار ليمنح الغلابة وإنما كان أقرب لأدهم الشرقاوي في اسطورة موازية وفيلم أخر .
وفي الفيلم سوف نري ديكور الجرنة ، والنظرة التقليدية للاحتلال العثماني وعصر الخلافة بإعتباره ظلم وضرائب وإنفلات ونهب ، ودخول بيت المساخيط الممنوع ولعنته وسر الاسرار، مثلما سنري ظلال لحكم الفلاح الفصيح ، وحوار حول ان العلم والفن هم الحياة من غيرهم الشعوب تموت ومتستحقش الارض اللي عايشين عليها علي لسان مدرس في عهد حتشبسوت قبل ان يتحول لحبيب وربما عشيق لها .

كما سنري مظاهرات ضد الإحتلال الإنجليزي عبر مزج وحكايات البوليس السياسي والكرسي والبحث عن المنصب السلس ، وكذلك كباريهات الإستربتيز المستوردة مع الإحتلال الإنجليزي ، كما سنتابع صوت مطربة الحب  الذي يحلق بك في زمن أسمهان لتشعر وكأنك تسمع اصواتا من السماء .
في الفيلم أيضا سوف نتابع حلم معلم العوام النوبي الابيض الذي يريد ان يبني معبد يوصل الارض بالسماء وهذا هو حلمه بدلا من النماء والزراعة مثلا ، وكيف ان فرض الضرائب والبصاصين ولعبة البصاصين والشعب كالقط والفار في إشارات معاصرة ، كذلك دور الكهنة في توجيه الحكام ،ونجاحهم في تزويج حتشبسوت من تحتمس وإختلاط الدم المقدس بغير المقدس حيث أن الاخير غير شرعي، ربما في إشارة معاصرة لزواج الإخوان بعرش مصر ، حتي الحاكم المكلف بحفظ كنز مصر  ، وعاش في الحسين، لاتخلو من إسقاطات .

كما سنتابع عبر إضاءة رائعة ومناسبة لمدير التصوير أيمن ابو المكارم ، ومونتاج متدفق لداليا الناصر ، وديكور المبدع أنسي ابو سيف ، وموسيقي هشام نزيه وإستعراضات عاطف عوض ، حالة من الحركة ، والتناغم جسده ممثلون مبهرون بدءا من إعادة إكتشاف محمد سعد كممثل ، والتأكيد علي شعبية محمد رمضان في دور شعبوي الطبع ، مرورا بروبي حبيبة الزيبق المتمردة الجسورة في الحب والمبدع محي إسماعيل او كبير الكهنة، وهند صبري او حتشبسوت التي ثبرت أغوار شخصية إمرأة قوية وعاشقة في نفس الوقت بإقتدار ، مرورا بعبد العزيز مخيون وهيثم أحمد ذكي واخرون .
ويبقي الكنز وبرغم عيب السيناريو واحدا من أهم الافلام التي أنتجت في تاريخ السينما المصرية المعاصرة حيث تختلط فيه متعة المشاهدة والفرجة السينمائية بعبق التامل والاسقاط المعاصر في رحلة تشبه حواديت الف ليلة وليلة ، التي تظل عالقة بالاذهان حتي بعد ان تنتهي من مشاهدتها لمدة ليالي طويلة أخري قادمة .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق